معصية ؛ إذ نهي عنه ، ويمينه كانت قبل النهي ، فصار آيسا عن البر بذلك ، وبذلك يكون الحنث لا بعدم إمكان الوفاء ، لكن غيره ؛ إذ لا يؤمن منه العصيان ، فذلك وقت إياسه عنه ، ورسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ قد عصم عن ذلك فوقت إياسه وقت النهي ، ولا قوة إلا بالله.
ثم (١) قوله ـ عزوجل ـ : (إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ)(٢) :
في متعارف اللغة على التقريب ؛ ليأكلوا ، لا على التمليك ؛ وكذلك الأمر المتعارف بين الخلق فيما ينسب بعضهم إلى بعض الإطعام ، وأيد ذلك قوله : (مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ) ، ولا يعرف التمليك في إطعام الأهل ، ولا خطر ببال أحد ذلك ، وقد عرفهم الله ـ تعالى ـ ما فرض عليهم بالذي كان علمه عند كل أحد معلوما ؛ إذ قلّ إنسان يخلو من أن يكون أهلا لأحد ، أو له أهل ؛ فلا يحتمل أن يظنّ بأحد الجهل به حتى يسأل ؛ فيكون ذلك إلزام الفرض مع رفع وهم الجهل به عن العقل (٣) ، ثم لا نعرف بها ، والله أعلم.
والذي يوضح هذا من طريق العبرة (٤) أنه ذكر في ذلك إطعام عشرة مساكين ، والمسكنة : هي الحاجة ، وحاجة المسكين إلى الطعام معلوم أنها تكون إلى أكله دون ملكه ، وجهات حاجات الأملاك مما يعم المساكين وغيرهم ، مع ما قدّر ذلك بالكفاية والشبع ؛ وحق ذلك في التقريب للتطعم لا في التمليك عليه ، ولكن يجوز التمليك بما به التمكين لذلك ؛ فيجب بذلك الجواز بكل ما فيه تمكين ذلك بهما أو ما كان ، إذ جواز التمليك بحق التمكين لا بحق النظر (٥) ، مع ما كان في تمليك (٦) الثمن الوصول إلى ما يختار هو على الوجه الذي يختار الاغتذاء ، فإن ذلك أقرب إلى قضاء حاجته ، ولو كان
__________________
ـ لا أحلف على يمين ، ثم أرى خيرا منها ـ إلا كفرت عن يميني وأتيت الذي هو خير».
(٥) سقط من ب.
(١) في أ : و.
(٢) قال القاسمي (٦ / ٣٥٧) : حكمة تقديم الإطعام على العتق ـ مع أنه أفضل ـ من وجوه :
أحدهما : التنبيه من أول الأمر على أن هذه الكفارة وجبت على التخيير لا على الترتيب. وإلا لبدئ بالأغلظ.
ثانيها : كون الطعام أسهل لأنه أعم وجودا ، والمقصود منه التنبيه على أنه ـ تعالى ـ يراعي التخفيف والتسهيل في التكاليف.
وثالثها : كون الإطعام أفضل ، لأن الحر الفقير قد لا يجد الطعام ، ولا يكون هناك من يعطيه ، فيقع في الضر. أما العبد فإنه يجب على مولاه إطعامه وكسوته.
(٣) في ب : العقول.
(٤) العبرة : أي القياس ؛ إذ العبرة : الاتعاظ والاعتبار بما مضى ، وهذا معنى القياس لغة. ينظر : لسان العرب (عبر) المعجم الوسيط (١ / ٥٨٠).
(٥) في الأصول : النصر.
(٦) في أ : تمكين.