الأمر على تمليك المأكول خاصة ، لكان الدعاء والتقريب إليهم للملك أحق أن يجوز لوجهين :
أحدهما : أنه أقرب إلى دفع الجوع وسد (١) المسكنة من تمليك بر لا يصل إليه إلا بعد تحمل المؤنة وطول المدة.
والثاني : أن الكفارة جعلت بما ينفر عنه الطبع ؛ ليذيقه ألم الإخراج من الملك والبذل ، فيكفر ما أعطى نفسه من الشهوة التي لم يؤذن له فيها ؛ وكذلك معنى الحسنات المكفرة للسيئات ، ثم كان دعاء المساكين وجمعهم على الطعام ، وخدمتهم والقيام بما فيه الاختيار إليهم ـ أشد على الطبع من التصدق عليهم ؛ فيجىء أن يكون أقرب للتكفير به ؛ وعلى ذلك يجوز بذل الثمن لما فيه تحمل المكروه على الطبع كهو في الإطعام ، فيجوز مع ما إذا (٢) جعل ذلك حقّا للمساكين يخرج من عليه بالتسليم إليهم عن طوع منهم ، ويجوز مثله من التبادل في جميع الحقوق ، فمثله عن الكفارات ، والله أعلم.
على أن الله ـ تعالى ـ قال : (فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ) [البقرة : ١٩٦] ويجوز فيه غير ذلك النوع ؛ وكذلك في كل الصدقات ، والله أعلم.
ثم جعل ذلك أكلتين لوجهين :
أحدهما : القول بإطعام المساكين ، ثم أريد به دفع المسكنة ، والمسكين : هو الخاضع ؛ فأحق من يستحق اسمه السائل ؛ لأنه يخضع للمسئول بالسؤال.
وقد روي عن نبي الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال في يوم الفطر : «أغنوهم عن المسألة فى مثل هذا اليوم» (٣) ، ثم كان أقل ما أجيز فيه نصف صاع من حنطة ؛ فعلى ذلك صدقة المسكين ، ومثل ذلك إذا أطعم يكفي مرتين ؛ وكذلك روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم في كفارة المتأذي ثلاثة آصع بين ستة مساكين (٤) ، فمثل مقدار طعام المسكين فيما أريد الإطعام القدر ذلك ، فمثله
__________________
(١) في ب : رشدة.
(٢) في ب : إذ.
(٣) أخرجه الدارقطني (٢ / ١٥٢ ، ١٥٣) كتاب زكاة الفطر ، حديث (٦٧) ، والحاكم في معرفة علوم الحديث (ص ١٣١) ، والبيهقي (٤ / ١٧٥) ، كلهم من حديث أبي معشر ، عن نافع ، عن ابن عمر قال : «أمرنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن نخرج صدقة عن كل صغير وكبير ، حر أو عبد ، صاعا من تمر أو صاعا من زبيب ، أو صاعا من شعير أو صاعا من قمح ، وكان يأمر أن يخرجها قبل الصلاة ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقسمها قبل أن ننصرف من المصلى ، ويقول : أغنوهم عن طواف هذا اليوم» ، وقال البيهقي : أبو معشر هذا هو نجيح السندى المدينى ، غيره أوثق منه.
والحديث ضعفه ابن الملقن في «خلاصة البدر المنير» (١ / ٣١٣).
(٤) أخرجه البخاري (٤ / ١٦) كتاب المحصر : باب قول الله تعالى أَوْ (صَدَقَةٍ) ، حديث (١٨١٥) ، ومسلم (٢ / ٨٦١ ، ٨٦٢) كتاب الحج : باب جواز حلق الرأس للمحرم إذا كان به أذى ، ووجوب ـ