أعلم.
ثم نقول : وظاهر هذا يشهد لأبي يوسف ـ رحمهالله ـ ومحمد ـ رحمهالله ـ : أنه متى أوجب جزءا منه عتق كله ؛ إذ لا يحتمل التجزئة ؛ دليله أمر الكفارات ، والله أعلم.
ومذهب أبي حنيفة : أنه يحتمل أن يكون هذا لما لا يحتمل العتق التجزئة ، ويحتمل : أن يكون ؛ لما لا تحتمل حقوق العتق التجزئة ، وإن كان العتق في نفسه محتملا ؛ فيجب عرض ذلك على ما فيه بيانه ؛ فوجد الأمر بالتحرير حيث كان ، كان بذكر الرقبة ، ولو كان لا يحتمل من حيث التحرير التجزئة ، لكان ذكر التحرير كافيا عن ذكر الرقبة ، فإذا (١) ذكر في كل ما أمر بان أنه ذكر ؛ ليتمم بالإعتاق ، لا أنه يتم بلا ذكر ؛ فعلى ذلك أمر الطلاق لم يذكر فيها معنى رقبتها ؛ لما لا يحتمل ـ والله أعلم ـ بعض ذلك ، ثم كانت الحقوق ترجع إلى الانتفاع ، أو قول ، أو مضرة ، أو نحو ذلك ، لا يحتمل نفوذ من المعتق من دون غيره ، ثبت أن ذلك إن كان كذلك ، فهو (٢) لما لا يحتمل حقوقه أكمل ؛ إذ في ترك الإكمال فوت نفع ما أوجب ، والله أعلم.
ثم قد يجوز إعتاق الجزء من حيث كان الملك والحرية بأخذ العين ، والمنافع تصل إلى المباشرة ، والمباشرة لا تحتمل التميز ، وفي القول فيه ، والملك فيه جملة يحتمل لذلك اختلفا ، وعلى ذلك أمر الطلاق لا ملك ، ثم في النفس ، إنما حقيقة المباشرة والانتفاع ، وذلك لا يحتمل الجزء المطلق منها أوجب دون غيره ؛ فلذلك أكمل ، والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّما يُرِيدُ الشَّيْطانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (٩١) وَأَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما عَلى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ (٩٢) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ)(٩٣)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ ...)(٣) الآية.
__________________
(١) في ب : فإذ.
(٢) في أ : فهذا.
(٣) قال القرطبي (٦ / ١٨٧) : أجمع المسلمون على تحريم بيع الخمر والدم ، وفي ذلك دليل على تحريم بيع العذرات ، وسائر النجاسات ، وما لا يحل أكله ؛ ولذلك ـ والله أعلم ـ كره مالك بيع زبل الدواب ، ورخص فيه ابن القاسم لما فيه من المنفعة ؛ والقياس ما قاله مالك ، وهو مذهب الشافعي.