الصَّالِحاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) ، لكن الوجه فيه ما ذكرنا ، ليس على التكرار ، والله أعلم.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدى بَعْدَ ذلِكَ فَلَهُ عَذابٌ أَلِيمٌ (٩٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْياً بالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعامُ مَساكِينَ أَوْ عَدْلُ ذلِكَ صِياماً لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ)(٩٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ) وليس فيه بيان أنه ابتلى بالأمر فيه أو بالنهي ، لكن بيانه في آية أخرى : أن الابتلاء إنما كان بالنهي عن الاصطياد بقوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا) [المائدة : ٢] دل هذا على أن المحرم كان منهيّا عن الاصطياد [بقوله : (وَإِذا حَلَلْتُمْ)](١) ، وأن الابتلاء الذي ذكر في الآية كان بالنهي عن الاصطياد ، والله أعلم.
ثم اختلف في الآية :
قال بعضهم : النهي بشيء من الصيد لأهل الحرم (٢) ؛ ألا ترى أنه روى في الخبر قال : «لا ينفّر صيدها ، ولا يختلى خلاها ، ولا يعضد شجرها» (٣) فكان الابتلاء بالنهي عن الصيد لأهل الحرم ؛ لما أخبر أنه لا ينفر صيدها (٤) ، وأما المحرم فإنما نهي عن الاصطياد
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) في ب : الحرام.
(٣) أخرجه البخاري (٤ / ٤٦ ـ ٤٧) كتاب جزاء الصيد : باب لا يحل القتال بمكة ، حديث (١٨٣٤) ، ومسلم (٢ / ٩٨٦ ، ٩٨٧) كتاب الحج : باب تحريم مكة وصيدها ، وحلالها وشجرها ولقطتها إلا لمنشد ، على الدوام ، حديث (٤٤٥ / ١٣٥٣) ، وأبو داود (٢ / ٦) كتاب الجهاد : باب في الهجرة هل انقطعت حديث (٢٤٨٠) والنسائي (٧ / ١٤٦) كتاب الجهاد : باب ذكر الاختلاف في انقطاع الهجرة ، والترمذي (٤ / ١٢٦) كتاب السير : باب ما جاء في الهجرة حديث (١٥٩٠) ، من طريق منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم يوم الفتح فتح مكة : «إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والله فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة ، وإنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ، ولم يحل إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة لا يعضد شوكه ولا ينفر صيده ولا يلتقط لقطته إلا من عرفها ، ولا يختلي خلاها» فقال العباس : يا رسول الله إلا الإذخر فإنه لقينهم ولبيوتهم فقال : «إلا الإذخر» ، وهذا لفظ البخاري.
(٤) وقوله : «ولا ينفر صيدها» ، معناه : لا يتعرض له بالاصطياد ، ولا يهاج فينفر ، وحكي عن سفيان بن عيينة قال : معناه : أن يكون الصيد رابضا في ظل شجرة : فلا ينفره الرجل ؛ ليقعد ، ويستظل مكانه.
ينظر : المغني في الإنباء (١ / ٢٧٧) ، معالم السنن للخطابي (٢ / ٢٢٠).