كتابه.
والثاني : ما أجمعوا عليه أن ما لا مثل له في الأنعام من الصيد إذا أصابه المحرم فعليه قيمته ؛ فإذا كان المثل في بعض الصيد قيمته ، فهو في كل الصيد قيمته ، وكذلك روي عن ابن عباس وغيره من السلف ـ رضي الله عنهم ـ أنهم قالوا ذلك (١).
فإن قيل : ما لا مثل له من النعم لا يمكن قيمته أكثر من قيمته ، قيل له [ترى] ذلك مثلا؟ فإن قال : بلى ، قيل : فقد صارت القيمة مثلا في بعض الصيد ، فما منع أن تكون مثلا في كل الصيد؟ فإن قال : المثل : هو الهدى فيما له مثل ، فأما ما لا مثل له من الهدى ، (٢) فليس الواجب فيه بمثل ، إنما ذلك قيمة ، ولم يجب ذلك بنص الكتاب ، وإنما وجب ـ ذلك بنص الكتاب ـ المثل من الهدى ، فأما ما لا مثل له : فإنما وجب قيمته بالإجماع ، قيل له : حدثنا عن قول الله ـ تعالى ـ : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ، هل دخل في عموم الآية الفرخ ونحوه ؛ فيكون منهيّا عن قتله؟ فإن قال : نعم ، قيل : فإذا دخل الفرخ في عموم النهي عن قتل الصيد فهو ـ أيضا ـ داخل في عموم قوله : (وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً ...) الآية. فإن قال : لا يدخل الفرخ في عموم قوله ـ تعالى ـ : (لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ) ، قيل له : قد قال الله ـ تعالى ـ : (لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ) [المائدة : ٩٤] فروي أن ذلك في البيض والفراخ ، فإن لم يجعل الفراخ ولا شيئا منها داخلا في الآية ، فما معنى الآية؟ ونحن لا ننال بأيدينا من الصيد إلا ضعافه وما يعجز عن الطيران والعدو منه ، فالآية توجب أن الصيد كله قد دخل في عمومها : ما قلّت قيمته ، وما كثرت ، وذلك يوجب أن يكون الواجب من قيمة الفرخ والعصفور مثلا ، والله أعلم.
ولأن النعامة لا مثل لها من النعم ، فمن أوجب فيها بدنة فقد أوجب فيها ما ليس بمثل لها ولا نظير ، ومن أوجب فيها قيمتها فقد أوجب مثلا لها ، فهو موافق للنص عندنا ، والله أعلم.
وكذلك الموجب في الحمامة شاة لا تشبه الصيد المقتول في عينه ، ولا في صفته ، ولا
__________________
(١) أخرجه ابن أبي شيبة وابن المنذر عن عكرمة قال : سأل مروان بن الحكم ابن عباس ، وهو بوادي الأزرق. قال : أرأيت ما أصبنا من الصيد لم نجد له ندّا؟ فقال ابن عباس : ثمنه يهدى إلى مكة.
ينظر الدر المنثور (٢ / ٥٧٩).
وأخرجه البيهقي (٥ / ٢٠٦) عن ابن عباس قال : ما كان سوى حمام الحرم ففيه ثمنه إذا أصابه المحرم.
وينظر : مسند الشافعي (١ / رقم ٨٤٨) ، والسنن الكبرى (٥ / ٢٠٦ ـ ٢٠٧) ، ومعرفة السنن والآثار (٤ / ٢٢٠ ـ ٢٢٣) ، ونصب الراية (٣ / ١٣٥ ـ ١٣٦).
(٢) في ب : الهدايا.