فإن قيل : إن الهدى يذبح في الحرم ؛ لمنفعة أهل الحرم به ، ويتصدق به عليهم ؛ فعلى ذلك الإطعام يجب أن يطعم أهل الحرم ؛ لأنه جعل لمنفعة لهم.
قيل له : لا خلاف بينهم : أنه لو ذبح الهدى في غير الحرم وتصدق به على أهل الحرم ألا يجوز ؛ دل أنه لا لما ذكر ، ولكن الهدى لا تذبح إلا بمكة ؛ ألا ترى أن من قال الله ـ تعالى ـ : عليه أن يهدى ، ليس له أن يذبح إلا بمكة ، ولو قال : عليه الإطعام أو الصدقة ، له أن يتصدق حيث شاء ؛ دل أن الهدى مخصوص ذبحه بمكة ، لا يجوز في غيره ، وأما الصدقة فإنها تجوز في الأماكن كلها ؛ لذلك افترقا ، والله أعلم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (لِيَذُوقَ وَبالَ أَمْرِهِ) ، أي : لينال شدة أمره وألمه ؛ كما نال لذته. وقيل : جزاء ذنبه ، وهو الكفارة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ) إذا تاب ورجع عما استحل من قتل الصيد ؛ وهو كقوله ـ تعالى ـ : (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ) [الأنفال : ٣٨].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَمَنْ عادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ) [المائدة : ٩٥] : أي : من عاد إلى استحلال الصيد في الحرم ينتقم الله منه في النار. ويحتمل : من عاد إلى قتل الصيد ينتقم الله منه بالكفارة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقامٍ) ، أي : لا يعجزه شيء ، ويقال : عزيز ، أي : كل عز عند عزه ذل. وغنى ، أي : كل غنى عند غناه فقر (١) ، والله أعلم.
قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (٩٦) جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلائِدَ ذلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧) اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ وَأَنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)(٩٨)
وقوله ـ عزوجل ـ : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً).
أخبر الله ـ تعالى ـ أن صيد البحر وطعامه حلال للمحرم (٢) ، ثم اختلف أهل التأويل في تأويله.
قال بعضهم : «صيده : ما صيد ، وطعامه : ما قذف في البحر» ، كذلك روي عن عمر ـ
__________________
(١) زاد في ب : ونحوه.
(٢) في أ : للحرم.