ويحتمل : ما ذكرنا من قولهم : أين نحن؟ ومن أبي؟ ومن أنا؟ ونحوه ، فلما أن أخبرهم بذلك كفروا به ، والله أعلم.
قوله تعالى : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ وَلكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (١٠٣) وَإِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا أَوَلَوْ كانَ آباؤُهُمْ لا يَعْلَمُونَ شَيْئاً وَلا يَهْتَدُونَ (١٠٤) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)(١٠٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَلا سائِبَةٍ وَلا وَصِيلَةٍ وَلا حامٍ)(١) : أي : ما جعل الله قربانا مما جعلوا هم ؛ لأنهم كانوا يجعلون ما ذكر من البحيرة والسائبة ؛ وما ذكر قربانا يتقربون بذلك إلى الأصنام والأوثان التي كانوا يعبدونها دون الله ، فقال : ما جعل الله من ذلك شيئا مما جعلتم أنتم من البحيرة والسائبة ، فقوله : (ما جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ ...) وما ذكر ، أي : ما أمر بذلك ، ولا أذن به.
قيل : حرم أهل الجاهلية هذه الأشياء ، منها : ما حرموه على نسائهم دون رجالهم ، ومنها : ما حرموه على الرجال والنساء ، ومنها : ما جعلوه لآلهتهم به.
ثم قيل : البحيرة : ما كانوا يجدعون آذانها ويدعونها لآلهتهم.
والسائبة : ما كانوا يسيبونها.
والوصيلة : ما كانت الناقة إذا ولدت ذكرا وأنثى في بطن قالوا : وصلت أخاها ؛ فلم يذبحوها ، [وتركوها](٢) لآلهتهم (٣).
قال أبو عبيد : البحيرة : إذا نتجت خمسة أبطن قطعت آذانها وتركت. والسائبة : إذا ولدت خمسة أبطن سيبت ؛ فلا ترد عن حوض ولا علف. والوصيلة من الغنم : إذا ولدت
__________________
(١) قال القاسمي (٦ / ٤٠٤) : قال السيوطي في (الإكليل) : في الآية تحريم هذه الأمور. واستنبط منه تحريم جميع تعطيل النافع. ومن صور السائبة : إرسال الطائر ونحوه. واستدل ابن الماجشون بالآية على منع أن يقول لعبده : أنت سائبة. وقال : لا يعتق.
(٢) سقط من ب.
(٣) أخرجه بمعناه ابن جرير (٥ / ٨٩) (١٢٨٣٣) عن علقمة عن مسروق بن الأجدع ، وبمثله عن ابن عباس (١٢٨٤٠) (١٢٨٤١) ، وعن قتادة (١٢٨٤٢) (١٢٨٤٥) ، وعن السدي (١٢٨٤٣) ، وعن سعيد بن المسيب (١٢٨٤٤) ، وعن الضحاك (١٢٨٤٦) ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٥٩٥ ـ ٥٩٦).