فحلفوا ، فأمرهم ابن مسعود أن يأخذوا من المسلمين ما شهدت به اليهود والنصارى](١). وكان ذلك في خلافة عثمان بن عفان (٢).
فإن ثبت هذا عن ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فهو خلاف ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «لو يعطى النّاس بدعواهم لادّعى قوم دماء قوم وأموالهم ، لكنّ البيّنة على المدّعى ، واليمين على المدّعى عليه» (٣).
وهو ـ أيضا ـ غير موافق لظاهر الآية ؛ فلا نراه ثبت هذا عن عبد الله بن مسعود ، رضي الله عنه.
وعن ابن عباس قال : كان رجل يقال له : تميم الداري (٤) ، وعدي بن بداء (٥) يختلفان
__________________
(١) ما بين المعقوفين سقط من ب.
(٢) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٦٠٤) ، وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن مسعود ـ رضي الله بنحوه.
(٣) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (١٠ / ٢٥٢) من حديث ابن عباس مرفوعا بهذا اللفظ.
والحديث في الصحيحين عن ابن عباس نفسه مرفوعا بلفظ : «لو يعطى الناس بدعواهم لادّعى أناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه».
أخرجه البخاري (٩ / ٧٦) كتاب التفسير : باب (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللهِ ...) الآية ، (٤٥٥٢) ، ومسلم (٣ / ١٣٣٦) كتاب الأقضية : باب اليمين على المدعى عليه ، (١١ ـ ١٧١١). وهذا لفظ مسلم.
(٤) قال الحافظ في الفتح (٦ / ٧٢) : الصحابي المشهور ، وذلك قبل أن يسلم تميم ؛ وعلى هذا فهو من مرسل الصحابي ؛ لأن ابن عباس لم يحضر هذه القصة. وقد جاء في بعض الطرق أنه رواها عن تميم نفسه ، بيّن ذلك الكلبي في روايته المذكورة ، فقال : «عن ابن عباس عن تميم الداري قال : برئ الناس من هذه الآية غيرى وغير عدى بن بداء ، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام ، فأتيا الشام في تجارتهما ، وقدم عليهما مولى لبنى سهم».
ويحتمل أن تكون القصة وقعت قبل الإسلام ، ثم تأخرت المحاكمة حتى أسلموا كلهم ؛ فإن في القصة ما يشعر بأن الجميع تحاكموا إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ؛ فلعلها كانت بمكة سنة الفتح. ا ه.
(٥) قال الحافظ في الفتح (٦ / ٧٢) : عدي بن بداء : بفتح الموحدة وتشديد المهملة مع المد ، لم تختلف الروايات في ذلك إلا ما رأيته في «كتاب القضاء» للكرابيسي ؛ فإنه سماه البداء بن عاصم ... ووقع عند الواقدي : أن عدى بن بداء كان أخا تميم الداري. فإن ثبت فلعله أخوه لأمه أو من الرضاعة ، لكن في تفسير مقاتل بن حيان : أن رجلين نصرانيين من أهل دارين : أحدهما تميمي ، والآخر يماني».
وقال الحافظ ابن حجر ـ أيضا ـ في الإصابة (٤ / ٣٨٧) ترجمة (٥٤٨٩): «وأما عدي : فقال ابن حبان : له صحبة. وأخرجه ابن مندة ؛ فأنكر عليه ذلك أبو نعيم ، وقال : لا يعرف له إسلام.
قال ابن عطية : لا يصح لعدي عندى صحبة ، وقد وضعه بعضهم في الصحابة ، ولا وجه لذكره عندى فيهم ، وقوّى ذلك ابن الأثير بأن السياق عند ابن إسحاق : «فأمرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يستحلفوا عديّا بما يعظم على أهل دينه».
قلت : وإنما في هذا القسم ؛ لقول ابن حبان ، فقد يجوز أن يكون اطلع على أنّه أسلم بعد ذلك ، ثم وجدت في تفسير مقاتل بعد أن ساق القصة بطولها : فقال النبي صلىاللهعليهوسلم لتميم : «ويحك يا تميم ، ـ