النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيها فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ مُبِينٌ (١١٠) وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ (١١١) إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ)(١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ)(١١٥)
وقوله ـ عزوجل ـ : (يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ).
قال أهل التأويل : [بل](١) إنما يقولون ذلك ؛ لفزعهم من هول ذلك اليوم وشدته ، تطير قلوبهم ، وتذهل أفئدتهم ، فيقولون : (لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ)(٢).
فلو كان ذلك منهم للهول والفزع على ما قاله أهل التأويل لكان لا يتهيأ لهم الإجابة ، وقد قالوا : (لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) ؛ دل أنه لا لما ذكروا ، ولكن للوجهين الآخرين ، والله أعلم.
أحدهما : أن سألهم عن حقيقة إجابة قومهم لهم بالضمائر ، أي : لم تطلعنا على علم الضمائر والغيوب ، فأنت أعلم بذلك.
والثاني : أن أحدثوا أمورا وأبدعوها من دأب أنفسهم ، فنسبوا ذلك إلى الرسل ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ ...) إلى قوله : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) [المائدة : ١١٦ ـ ١١٧] كأنهم قالوا : إن عيسى ـ عليهالسلام ـ هو الذي دعاهم إلى ذلك ، فيقول لهم : ما ذا أجبتم؟ فقالوا : لا علم لنا فيما ادعوا علينا من الأمور التي أتوها ، إنك أنت علام الغيوب بأنا لم نقل لهم ، ولم ندعهم إلى ما ادّعوا من الأمور.
على هذين الوجهين يخرج تأويل الآية ، والله أعلم.
__________________
(١) سقط من ب.
(٢) قاله مجاهد ، أخرجه عنه الطبري (٥ / ١٢٦) رقم (١٢٩٩٢) ، وذكره السيوطي في الدر المنثور (٢ / ٦٠٦) ، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم ، وأبي الشيخ.