قوله تعالى : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ)(١٤)
وقوله ـ عزوجل ـ : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ)
قيل : فرائض الله التي أمركم بها من قسمة الميراث (١).
ويحتمل (حُدُودُ اللهِ) : ما حدّ لنا حتى لا يجوز مجاوزتها ، وقد تقدم ذكرها في سورة البقرة. وذكر حدود الله ، وقد يجوز أن يكون للخلق حدود ، يقال : حدّ فلان ؛ فإذا لم يفهم من حدود الله ما فهم من حدّ الخلق كيف فهم من قوله : (اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ) [الأعراف : ٥٤] ، و (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) ما فهم من استواء الخلق؟! فإذا لم يفهم من حدود الله ما فهم من حد الخلق ـ لم يجز أن يفهم من استواء الله ما يفهم من استواء الخلق ، وكذلك لا يفهم من رؤية الرب ما يفهم من رؤية المخلوق ، ولا يفهم من مجيئه مجىء الخلق ، ولا من نزوله نزول الخلق ، على ما لم يفهم من قوله ـ تعالى ـ (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) حدود الخلق ؛ إذ لا فرق بين هذا وبين الأول.
وقوله ـ عزوجل ـ : (تِلْكَ حُدُودُ اللهِ) يحتمل وجهين :
أحدهما : أوامره ونواهيه ، وما حرّم وأحل.
ويحتمل : حدود شيء من ذلك ؛ فيرجع تأويل الأول إلى أنفس العبادات ، والثاني : إلى نهايات العبادات.
والمعروف من الحدود التي تنسب إلى الخلق وجهان :
أحدهما : نهاية المنسوب إليه ، وذلك حق حد الأعيان.
والثاني : الأثر الذي يضاف إليه ، وذلك حد الصفات أن يقال : حد الفعل فعل كذا ، وحد البصر والسمع ، يراد به الأثر الذي به يعرف ، أو هنالك ما ذكر ، ثم لم تكن الحدود التي أضيفت إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ على واحد من الوجهين اللذين يضافا إلى الخلق ؛ إذ قد ثبت بضرورة العقل وحجج السمع تعاليه عن المعاني التي هي معاني خلقه ؛ فعلى ذلك ما أضيف إليه من طريق العقل من الاستواء ، والمجىء ، والرؤية ـ لم يجز في ذلك تصوير المعنى الذي في إضافة ذلك إلى الخلق يكون بما في ضرورة العقل والسمع جلاله وكبرياؤه عن ذلك المعنى ، وبالله العصمة.
__________________
(١) أخرجه بمعناه ابن جرير في تفسيره (٨ / ٦٩) (٨٧٩١) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٢٧) وزاد نسبته لابن أبي حاتم عن ابن عباس وسعيد بن جبير.