والآية عندنا خرجت مخرج بيان التحريم على ما كانوا يفعلون ؛ دليل ذلك قوله ـ تعالى ـ : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) نهي الأبناء أن ينكحوا ما نكح آباؤهم من النساء ؛ فدل أن النهي كان في الحالين جميعا : في حال الكره والرضا ، والله أعلم.
وفي قوله : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً ...) الآية ، تحتمل حرمة وراثتهن أبدا ، وأن ذكره «كرها» لأوجه :
أحدها : أن ليس في ذكر الحرمة في وجه أو ذكر الحكم في حال دلالة تخصيص الحال ؛ كقوله ـ سبحانه وتعالى ـ : (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء : ٣١] ، وقوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَواحِدَةً) [النساء : ٣] ، وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّا أَحْلَلْنا لَكَ أَزْواجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَ) [الأحزاب : ٥٠] أنهن يحللن وإن لم يؤتين أجورهن ، وإذا لم يصر ذلك شرطا صار كأنه قال الله ـ عزوجل ـ : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) ، والله أعلم.
والثاني : أن تكون الوراثة أبدا تكون كرها ويجب الميراث سواء من فيه وله أولاد إذا كان وجه الوراثة ، فذكره ذلك وغير ذلك سواء.
والثالث : أنهم كانوا يتوارثون النكاح ، وهو أمر لا يحتمل الانقسام ، ولا عند الاشتراك بالاستمتاع (١) ، فكان ذلك على تراض منهم لواحد.
أو [أن](٢) يكون فيما كانت الوراثة ترجع إلى واحد ؛ فيكون ذلك له بحق النكاح لا الميراث ، فإذا حرم النكاح في حق من يرث من الذكور ـ وهم الآباء والأبناء ـ فبطل الميراث لو كان يجوز أن يورث.
ثم دلت هذه الآية في قطع وراثة منافع الأبضاع ، وملك الأبضاع أدوم من ملك الإجارات ؛ فيجب أن يكون قطع الإجارات أولى.
ودليل آخر على بطلان الوراثة : أن المرأة قد ترث الميراث ؛ فتكون وراثة بعض نفسها ، فبطل من حيث يراد إثباته.
وقوله : (وَلا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ ما آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) اختلف فيه :
قال بعضهم : هو معطوف على [ما تقدم](٣) ، وهو ما ذكرنا من الوراثة ، [نهى أن](٤)
__________________
(١) في ب : الاستمتاع.
(٢) سقط من ب.
(٣) في ب : الأول.
(٤) بدل ما بين المعقوفين في ب : نهي هو أن