هذه ؛ فيكون جامعا بينهما في الاستمتاع ؛ لذلك حرم.
ثم اختلف في الجماع والدخول بها إذا كان من غير رشد ؛ قال أصحابنا ـ رحمهمالله ـ يحرم كما يحرم الحلال ، ويمنع نكاح الربيبة كما يمنع الحلال.
وقال قوم : لا يحرم ، ولا يمنع نكاح الربيبة ، واستدلوا في ذلك بقول الله ـ تعالى ـ : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ) لأن الله ـ تعالى ـ حرم ربائب النساء إذا دخل بالأمهات ، والمزني بها ليست بزوجة للزاني ؛ فلا تحرم ابنتها ، لكنه لا حجة لهم في ذلك ؛ وذلك أن الله ـ تعالى ـ ذكر الدخول بهن ، ولم يذكر النكاح ، ولا خص الدخول في النكاح ، بل ذكر الدخول ، وهو على كل دخول ، رشدا كان أو سفاحا ، والسفاح أحق في الحرمة من الحلال ؛ إذ حكمه أغلظ وأشد ؛ فعلى ذلك في إيجاب الحرمة من الحلال يجىء أن يكون أشد وأغلظ ، ولو كان ذكر الدخول ـ هاهنا ـ في النكاح لم يكن فيه ما يمنع وجوب الحرمة إذا كان في غير النكاح ؛ ألا ترى إلى قول الله ـ تعالى ـ : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) والربيبة التي لا تكون في حجر الرجل مثلها في الحرمة ، ولم يجعل قوله ـ تعالى ـ : (فِي حُجُورِكُمْ) خصوصا فيها دون ما أشبهها ، وكذلك يجوز ألا يجعل قوله : (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَ) خصوصا الدخول بالزوجات دون ما أشبههن ـ وهن الموطوءات ـ مع ما ذكرنا أن ليس في الآية ذكر نسائنا ؛ لذلك لم يكن فيه دليل الحظر في غيره.
وبعد : فإنا قد ذكرنا فيما تقدم أن ليس في حظر شيء في حال حظره في غير تلك الحال ، والحرمة من ذلك الاستمتاع أنه إذا استمتع بإحداهما لم يكن له الاستمتاع بالأخرى ، ولا يحل أن يتزوج بالأخرى ؛ ألا ترى إلى ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «ملعون من نظر إلى فرج امرأة وابنتها» (١) ومعلوم أنه لا ينظر إلى فرجهما في وقت واحد ، وإنما ينظر في وقتين ، فهو ـ والله أعلم ـ إذا نظر إلى فرج إحداهما ثم نظر إلى فرج أخرى يذكر نظره في فرجها في وقت نظره في فرج هذه ، فهو كالقاضي وطره فيهما ، كذلك في الزنا كهو في النكاح ، والله أعلم.
على أنهم أجمعوا : أن من وطئ أمة له لم يكن له أن يتزوج ابنتها ؛ فدل أن الدخول بها في النكاح وفي غير النكاح سواء ، وأنه محرم ، وما أجمعوا عليه ـ أيضا ـ أنه إذا وطئ امرأة في النكاح الفاسد لشبهة حرمت ابنتها عليه ، وهو وطء حرام ؛ فدل هذا على أن
__________________
(١) ذكره السيوطي في الدر (٢ / ٢٤٦) وعزاه لعبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن الضريس من قول وهب بن منبه.