والآن لنرجع إلى حقيقة الاشتقاق وأبنية المصادر ، لكونها أوفق وأقرب لما نحن فيه ، إذ من الثابت أنّ أسماء الأعيان ـ المشاهدة المرئيّة ـ وجدت قبل أسماء المعاني ، فلا يعقل تصور التّأبّل ـ أي اتّخاذ الإبل ـ قبل وضع لفظ « الإبل » نفسه ، والتضلع قبل « الضلع » ، والتبحر قبل « البحّر » ، والسموّ قبل « السماء ».
فأسماء الأعيان هي أصل الاشتقاق لا المصادر ، لأنّ هذه المصادر كالأفعال لا تتقيد بموازين دقيقة ، ولا تقاس اقيسة سليمة مطردة ، وقد أكثر العرب اشتقاق الأفعال والمصادر من هذه الأسماء.
ولو لاحظت معاجمنا لرأيتها تمتلك من الجواهر الّتي تفرعت عنها الاحوال والصفات والمصادر والأفعال الشيء الكثير.
فمن الرأس اشتقوا : رأسته رأسا : إذا أصبت رأسه ، ومن اليافوخ : أفخته أفخا : إذا ضربت يافوخه ، فإن ضربت دماغه قلت دمغته ، وإن حاذيت صدغه بصدغك في المشي فقد صدغته ، وإن أصبت منخره فقد نخرته و ...
ومن أسماء الأقارب اشتقّوا المصادر والأفعال ، فالتبنّي من الابن ، والتأبّي من الأب ، والتأمّم : اتخاذ الأمّ ، والبعال والمباعلة : اتّخاذ البعل.
وولّدوا كثيرا من الألفاظ ، من أسماء الأمكنة ، فقالوا : أحرم القوم : دخلوا في الحرم ، ساحلوا : أتوا السّاحل ، أعمن الرّجل : أتى عمان ، كوّف : صار إلى الكوفة ، قدّس : أتى بيت المقدس : أيمن : أتى اليمن.
ومنه : أخرفوا ، وأشتوا ، وأربعوا ، وأصافوا ، وأفجروا ، وأظهروا ، و ...
إشارة للدخول في الخريف والشتاء والربيع والصيف والفجر والظهر و .. ، هذا شيء والشيء الآخر في هذا المجال هو الكلام عن أبنية المصادر وتحديد الصيغ الاسمية والفعلية ، فقد سعى السيوطي إلى ذكر من صنّف في الصيغ الاسمية