وكانت حضارة بلاد الشام هي الأخرى عريقة ، وترجع إلى ثلاثة الآف سنة قبل الميلاد ، وممّا أسّسته الدول الفينيقية في القرن الخامس والعشرين ق. م مدينة جبيل ، كما بنت مدينة بيروت ( بيريت ) في القرن الثاني والعشرين ق. م.
وقد امتاز هؤلاء بأنّهم على جانب عظيم من المعرفة والتفوّق في العلوم والآداب والصناعة ، أما الآداب فقد ضربوا فيها بسهم عظيم ، ووضعوا الهجائية واختصروها إلى اثنين وعشرين حرفا بعد أن كانت عند البابليين والمصريين تعدّ بالمئات.
وكانت حضارة جنوب شبه الجزيرة تتمثّل بحضارة الدولة المعينية في اليمن والدولة السبئية والحميرية ، اللتين كان أهلها على جانب عظيم من الرقيّ الصناعيّ والزارعيّ والعمرانيّ والثقافيّ ، وقد كانت كتاباتهم على الطريقة الحلزونية ، أي أنّها تبدأ من اليمين إلى الشمال ، فإذا انتهى الكاتب من السطر الأوّل وأراد كتابة السطر الثاني كتب من الشمال إلى اليمين.
وكانت إلى جانب تلك الحضارات حضارة وادي النيل التي تعدّ هي الأخرى من أقدم وأعرق الحضارات المجاورة لشبه الجزيرة العربية ، وقد كان أهلها على جانب عظيم من الرقي والتحضّر في العلم والعمران والزراعة ، وقد بقي من مآثرهم العمرانية الأهرامات ، أبو الهول ، وغيرهما.
كان هذا استعراضا للحضارات القديمة المجاورة لشبه الجزيرة العربية ، جئنا به للتمييز بين الوضع داخل الجزيرة وخارجها ، إذ الثابت جغرافيا أنّ أرض الجزيرة أرض صحراوية قاحلة ليس فيها ماء ولا كلأ ، وهي كما قال سبحانه حكاية عن لسان