فكان لكلّ زيادة ، أو حذف ، أو قلب ، أو إبدال ، أو صيغة ، معناة ، أو غاية ، أو فكرة دون أختها ، ثمّ جاء الاستعمال فأقرّها مع الزمن على ما أوحته إليهم الطبيعة ، أو ساقهم إليها الاستقراء ، والتّتبّع الدقيق ، وفي كلّ ذلك من الأسرار والغوامض الآخذة بالألباب ، ما تجلّت بعد ذلك تجلّيا بديعا ، استقرّت على سنن وأصول وأحكام لن تتزعزع ... (١) ويسمّى هذا النوع من الاشتقاق بالاشتقاق الكبير.
وممّا تجب الإشارة إليه هنا ، هو إن الخليل الفراهيدي أوّل من فتح باب الاشتقاق الكبير ، أو قل التقاليب ك ( ركب ، ربك ، كبر ، كرب ، بكر ، برك ) لكنه لم يكن يعني بعمله إرجاع الحروف الأصليّة إلى معنى مشترك واحد بينها مثلما فعله ابن جني وغيره ، بل إنّ عمله جاء طبقا لمخارج الحروف.
وعليه فالقول بأنّ ( ق ، و، ل ) وسائر تراكيبها تفيد الخفوف والحركة ، وأنّ مقاليب ( ك ، ل ، م ) تفيد القوة والشدة ، و ( س ، ل ، م ) تفيد الضعف واللين ، وما شابه ذلك إنّما هو شيء جاء من قبل اجتهادات ابن جني في كتابه الخصائص وغيره.
أمّا الاشتقاق الصغير ، فهو الأساس الثلاثي للكلمة وما يشتق منه ، وهو أكثر أنواع الاشتقاق ورودا في العربية ، وهو الذي تدور عليه رحى كتب اللغة ف ( ض ، ر ، ب ) اشتق منه الضارب ، والمضروب ، واضرب ، ويضرب ، ويضربن و ...
ومثله ( ع ، ر ، ف ) فقد اشتق منه عرّف ، تعرف ، تعارف ، عرف و ...
هذا ، وقد ألّف بعض المتقدّمين كالأصمعي ، وقطرب ، وأبي الحسن ، والأخفش ، وأبي نصر الباهلي ، والمفضل بن سلمة ، والمبرد ، وابن دريد ،
__________________
(١) نشوء اللغة العربية ونموها ، لانستاس ماري الكرملي : ١.