__________________
ـ ثانيا : أدلة القائلين بعدم الإعادة من العدم :
تبين لنا مما سبق أن بعض المعتزلة والفلاسفة والكرامية ينكرون إمكانية الإعادة بعد العدم ، بل لا يعترفون بمعدوم أصلا ؛ وكلامهم إنما هو من باب إلزام خصومهم فقط ، فمهمتهم إبطال الإعادة العينية للمعدوم ، وبذلك يتم مقصودهم ، وهم تارة يدّعون أن ما ذهبوا إليه ـ من أن المعدوم لا يعاد بعينه ـ أمر بدهي لا يحتاج إلى نظر واستدلال ، وتارة يلجئون إلى إقامة الحجج والأدلة على مدعاهم ، وقد تبلورت هذه الحجج في أربعة أدلة يبطلون بها إعادة المعلوم بعينه : دليل التخلل ، والوقت ، والمثلية ، والصفة.
الدليل الأول : إن القول بإعادة المعدوم بعينه ثانيا يؤدي إلى أن يتخلل العدم بين الشيء ونفسه ، وتخلل العدم بين الشيء ونفسه ممتنع ؛ لأن التخلل لا بد له من طرفين متغايرين ؛ إذ لو كان بين الشيء ونفسه لأدى إلى التناقض ، وهو تقدم الشيء على نفسه وتأخره عنه ، ومعنى ذلك تقدم لا تقدم أو تأخر لا تأخر وذلك تناقض ، وإذا ثبت أن تخلل العدم بين الشيء ونفسه ممتنع ، امتنع كذلك إعادة المعدوم بعينه.
وقد أجاب أصحاب القول الأول المثبتين للإعادة ، وهم أهل السنة ، وبعض شيوخ المعتزلة على هذا الدليل بما يأتي :
أولا : أن العدم لا يتخلل بين الشيء ونفسه كما يزعمون ؛ لأنه ليس للعدم وجود حقيقي.
ثانيا : على افتراض أن العدم قد يتخلل ، فإن تخلله ليس واقعا بين الشيء ونفسه ، بل هو تخلل بين الشيء وغيره باعتبار الزمن ، وهذا يعني أن العدم المتخلل بين الوجود الأول والوجود الثاني قد وقع بين شيء مقيد بقيد وشيء آخر مقيد بقيد آخر ؛ ومن ثم يكون واقعا بين شيئين مختلفين لا بين الشيء ونفسه.
ثالثا : أن القول بامتناع التخلل بين الشيء ونفسه باطل ؛ لأن الشخص الباقي وقع فيه هذا التخلل ، وذلك أن الشخص الباقي له زمن أول لوجوده وزمن لبقائه ، وهما طرفان لبقائه ، وهناك لحظة استمرار تسمى زمن البقاء تخللت بين الموجود في اللحظة الأولى وبينه في اللحظة الأخيرة وهكذا : «محمد» ... زمن البقاء ... «محمد»
وحيث كان مثل هذا التخلل محالا كان البقاء لكل شخص محالا ، وذلك باطل بداهة ، فما أدى إليه من دليلكم يكون باطلا.
وقد رد هذا الجواب الثالث ، بأن هناك فرقا بين تخلل العدم وبين التخلل في الباقي ؛ فإن العدم يقطع الاتصال بين الموجودين قطعا حقيقيّا ، وأما الباقي فشيء واحد لا خلاف فيه ، ولحظة البقاء وصلت بين الزمنين ، فلم يكن هناك قطع للشخص الباقي ، بل وصل لزمن بقائه.
الدليل الثاني : أن القول بإعادة المعدوم بعينه يؤدي إلى اجتماع النقيضين ، وهو محال.
وبيان ذلك أنه إذا أعيد المعدوم بعينه فإنه يكون بهذا مبتدأ وهو في نفس الوقت معاد ، وهذا تناقض ؛ فامتنع لذلك القول بإعادة المعدوم بعينه.
وقد أجاب أهل السنة على هذا الدليل : بأن قول : (إن الحاصل في وقته الأول مطلقا يكون مبتدأ) قول غير مسلم به ، وبالتالي لا يلزم ما ذكره المستدل من اجتماع الابتداء والإعادة. بل المبتدأ هو الحاصل في وقته الأول غير المعاد ، وأما إذا حصل في وقته الأول المعاد فلا يكون مبتدأ بل معادا فقط. أو نقول : إن المبتدأ هو الذي لم يسبق بحدوث ، والمعاد وإن حصل في وقته الأول هو مسبوق بحدوث ، وعلى هذا فليس المعاد مبتدأ ؛ لأنه حصل في وقته الأول غير المعاد أو لأنه سبق بحدوث.
الدليل الثالث : لو صح القول بإعادة المعدوم بعينه لصح أن يوجد مثلان لا يتميز أحدهما عن ـ