قال بعض أهل الكلام (١) : إن لكل حاسة من هذه الحواس روحا تقبض عند النوم ، ثم ترد إليها ، سوى روح الحياة فإنها لا تقبض ؛ لأنه يكون أصم بصيرا متكلما ناطقا ، ويكون أعمى سميعا ، ويكون أخرس سميعا بصيرا ، فثبت أن لكل حاسة من حواس النفس روحا على حدة تقبض عند النوم ، ثم ترد إليها إذا ذهب النوم.
وأما الروح التي (٢) بها (٣) تحيا (٤) النفس : فإنه لا يقبض ذلك منه إلا عند انقضاء أجله وهو الموت.
وقالت الفلاسفة : الحواس هي التي تدرك صور الأشياء بطينتها (٥).
__________________
(١) أي المنتسبون إلى علم الكلام ، ويعرف علم الكلام ـ كما قال أبو الخير في الموضوعات ـ هو علم يقتدر به على إثبات العقائد الدينية بإيراد الحجج عليها ودفع الشبه عنها وموضوعه ذات الله سبحانه وتعالى وصفاته عند المتقدمين.
وقيل : موضوعه الموجود من حيث هو موجود.
وعند المتأخرين موضوعه المعلوم من حيث ما يتعلق به من إثبات العقائد الدينية تعلقا قريبا أو بعيدا أو أرادوا بالدينية المنسوبة إلى دين نبينا محمد صلىاللهعليهوسلم انتهى ملخصا.
والكتب المؤلفة فيه كثيرة ذكرها صاحب كشف الظنون.
ينظر أبجد العلوم (٢ / ٤٤٠ ـ ٤٤١)
(٢) في ب : الذي.
(٣) في أ : به.
(٤) في ب : يحيى.
(٥) الحواس : جمع حاسة وهي القوة الحساسة وهي خمس وكانت خمسا لا أكثر لأن العقل حاكم بوجود الخمس بالضرورة أما الحواس الباطنية التي هي خمس أخرى فلم يحكم العقل بوجودها بالضرورة بدليل الاختلاف في وجودها فالفلاسفة أثبتوها بأدلة تتنافى والقواعد الإسلامية وغيرهم نفوها أما أدلة الفلاسفة فمبنية على أن النفس لا تدرك الجزئيات المادية بالذات وعلى أن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد أي لا يكون الواحد مبدأ لأثرين وحاصل المبنى الأول أنهم قالوا إن النفس لكونها مجردة لا ترتسم فيها صور الجزئيات وإلا لم تكن مجردة بل ترتسم في آلاتها التي هي الحواس فإدراك الجزئيات عندهم هو ارتسام صورها في الحواس وعلى ذلك لا بد من حس باطني لترتسم فيه تلك الصور والحق أن النفس ترتسم فيها صور الجزئيات وإن كان الإدراك بواسطة الحس وحيث إن الجزئيات ترتسم في النفس فلا تحتاج إلى حس باطني أما المبنى الثاني فقد قالوا فيه إن الواحد لا يصدر عنه إلا واحد وعلى هذا لا بد من الحس الباطني فيكون إدراك المعاني الجزئية ناشئا عن مصادر مختلفة غير النفس وتلك المصادر هي الحواس الباطنية والحق أن الواحد يصدر عنه أشياء كثيرة فالنفس الناطقة يصدر عنها إدراك المادة وإدراك المعاني.
الأول من الحواس السمع : هو عند الحكماء قوة مودعة في العصب المفروش في مقعر صماخ الأذنين وأما عند أهل السنة فهو قوة خلقها الله في الأذن ووظيفة السمع إدراك الأصوات فقط بطريق وصول الهواء المتكيف بالصوت إلى صماخ الأذن والسمع سبب عادي للعلم بمعنى أن الله سبحانه يخلق العلم عند السمع لا به فليس مؤثرا في العلم كما عرفت سابقا من استناد جميع الممكنات إلى الله تعالى.
الثاني البصر : وهو عند الحكماء قوة مركزة في العصبتين المجوفتين اللتين تتلاقيان في مقدم ـ