في القول بقدم العالم ، والله الهادي.
ويحتمل قوله : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ) أن يراد به في حق جميع بني آدم ، وأضاف خلقنا إلى الطين ، وكأن الخلق من الماء ؛ لما أبقي في خلقنا من قوة ذلك الطين الذي في آدم وأثره ، وإن لم يره تلك القوة وذلك الأثر ، وهذا كما أن الإنسان يرى أنه يأكل ، ويشرب ، ويغتذي ، ويحصل به زيادة قوة في سمعه وبصره ، وفي جميع جوارحه ، وقد يحيا بها جميع الجوارح (١) ، وإن لم ير تلك القوة ، فكذلك هذا.
ويحتمل ـ أيضا ـ على ما روي في القصة (٢) أنه يمازج مع النطفة شيئا من التراب ، فيؤمر الملك بأن يأخذ شيئا من التراب من المكان الذي حكم بأن يدفن فيه ، فيخلط بالنطفة ، فيصير علقة ومضغة ، فإنما نسبهم إلى التراب لهذا.
ويحتمل النسبة إلى التراب وإن لم يكونوا من التراب ؛ لما أن أصلهم من التراب ، وهو آدم.
وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى)
فالقضاء يتوجه إلى وجوه كلها ترجع إلى معنى انقطاع الشيء وتمامه ، وقد يكون لابتداء فعل وإنشائه ؛ كقوله ـ تعالى ـ : (فَاقْضِ ما أَنْتَ قاضٍ) [طه : ٧٢] [ويقال : قضيت هذا الثوب ، أي : عملته وأحكمته.
وقد يكون بمعنى الأمر ؛ قال الله ـ تعالى ـ : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ) [الإسراء : ٢٣] أي : أمر ربك ؛ لأنه أمر قاطع حتم.
__________________
ـ يعني أنكم تعتقدون أن الدهر هو الفاعل والمتصرف وأنا الفاعل والمتصرف ، أو على تقدير أن المضاف محذوف ، أي : «أنا مقلب الدهر» لأن آخر الحديث يدل على هذا ؛ فهو يقول في آخره «بيدي الأمر أقلب الليل والنهار».
وقد قال الكرماني : إن المقصود بقوله «أنا الدهر» «أنا المدهر» أي : مقلبه.
وقال البعض إن : «الدهر» من أسماء الله الحسني وقد أنكره الخطابي ، ولكن صحته تفهم من الفانوس ، وبصرف النظر عن هذا فإن المعنى في هذا المقام يكون غير جيد ، اللهم إلا إذا كان الدهر بمعنى الفاعل والمتصرف ، ووجود الإيذاء في سب الدهر سببه أن ذم الدهر وسبه يشعران بنسبة التصرف إليه ، أو بسبب أن سب الدهر يرجع إلى الجناب الإلهي ؛ لأنه ما دام هو الفاعل الحقيقي فإن السب يعود إليه ، نعوذ بالله منه.
انظر اصطلاحات الفنون (٢ / ٢٧٤ ـ ٢٧٥).
(١) الجوارح : أعضاء الإنسان التي تكتسب وهي عوامله من يديه ورجليه ، واحدتها جارحة ؛ لأنهن يجرحن الخير والشر ، أي : يكتسبنه ، وهي مأخوذة من جرحت يداه واجترحت.
ينظر تاج العروس من جواهر القاموس (٦ / ٣٣٨) ، لسان العرب (جرح).
(٢) انظر القصة عن ابن مسعود كما عند أبي نعيم ، وتفسير القرطبي (٦ / ٢٥٠).