ويحتمل (١) : اجتباهم بما ذكر من رفع الدرجات والفضائل ، ويكون صلة قوله : (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) [الأنعام : ٨٣] ، وذلك ـ أيضا ـ يعم الرسل والمؤمنين ، والله أعلم بذلك.
وفي قوله : (وَمِنْ آبائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ...) الآية : دلالة أن من آبائهم وذرياتهم من لم يجتبهم بقوله : (وَمِنْ) ؛ إذ «من» هو حرف للتبعيض (٢).
قوله تعالى : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (٨٨) أُولئِكَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ فَقَدْ وَكَّلْنا بِها قَوْماً لَيْسُوا بِها بِكافِرِينَ (٨٩) أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرى لِلْعالَمِينَ)(٩٠)
قوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ) أي : ذلك الهدي الذي هدى هؤلاء فبهداه اهتدوا.
وفي الآية [دلالة](٣) نقض قول المعتزلة ؛ لأنهم يقولون : إن الله قد شاء أن يهدي (٤) الخلائق كلهم لكن لم يهتدوا ، وعلى قولهم لم يكن من الله إلى الرسل والأنبياء من الهداية والفضل إلا كان ذلك إلى جميع الكفرة ، فالآية تكون مسلوبة الفائدة على قولهم ؛ لأنه ذكر أنه يهدي من يشاء وهم يقولون : شاء أن يهدي الكل لكن لم يهتدوا ، فإن كان كما ذكروا لم يكن لقوله : (مَنْ يَشاءُ) فائدة ؛ دل أنه من الخلائق من قد شاء ألا يهديهم إذا علم منهم أنهم لا يهتدون ولا يختارون الهدى ، وبالله التوفيق.
__________________
(١) في ب : ويحمل.
(٢) «من» لها عدة معاني منها التبعيض ، كقوله : تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ) [البقرة : ٢٥٣] وعلامتها إمكان سد البعض مسدها ، قال بعضهم : فقولك : «ويحه من رجل ، للتبعيض لأنك إنما أردت أن تجعله من بعض الرجال ، وقولك : هو أفضل من زيد ، إنما أردت أن تفضله على زيد وحده ولم تعم ، فجعلت ابتداء فضله من زيد ولم يعلم موضع الانتهاء ، فإن قلت : ما أحسنه من رجل ، فيحتمل أن يكون الابتداء الغاية ، كأنك بينت ابتداء فضله في الحسن ولم تذكر انتهاءه ، ويحتمل أن تكون للتبعيض ، كأنك قلت : ما أحسنه من الرجال إذا ميزوا رجلا رجلا ، ينظر : مصابيح المغاني (٤٥٧) والأزهية «٢٢٤» والجنى الداني ص «٣٠٨».
(٣) سقط في أ.
(٤) في ب : تهدي.