__________________
ـ وعلى جواز الاستئجار على كل عبادة مالية صدقة كأداء الزكاة ، وإخراج الكفارات ؛ لأن المقصود من هذه الأمور سد خلة الفقير ودفع حاجته ، وهذا كما يتحقق بفعل المستأجر يتحقق بفعل الأجير.
واختلفوا فيما عدا ذلك من العبادات التي يتعدى نفعها للغير وتقبل النيابة كالأذان وتعليم القرآن والإمامة ، وغسل الميت وتجهيزه فمنع ذلك متقدمو الحنفية والإمام أحمد في رواية ، وأجازه المالكية والشافعية وأحمد في الرواية الأخرى إلا أن الشافعية لم يجوزوا الإجارة على الإمامة ؛ لأنها من متعلقات الصلاة ، ومتأخرو الحنفية لم يجوزوا الإجارة على قراءة القرآن لعدم الضرورة إليها ، بخلاف تعليمه ففي القرب التي يتعدى نفعها إلى غير فاعلها مذهبان على سبيل الإجمال : منع الإجارة عليها ، وجوازها.
وهذه أدلة كلّ وما يدور حولها من مناقشات :
أدلة المانعين :
أولا : ما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عبد الرحمن بن شبل الأنصاري قال سمعت رسول الله صلىاللهعليهوسلم يقول «اقرءوا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به».
قال الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد رجاله ثقات ا ه.
وثانيا : ما رواه أحمد والترمذي عن عمران بن حصين رضي الله عنه عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «اقرءوا القرآن واسألوا الله به ، فإن من بعدكم قوما يقرءون القرآن يسألون به الناس» ا ه.
قال الترمذي : هذا حديث حسن ليس إسناده بذاك.
وثالثا : ما رواه ابن ماجه عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال : علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا ، فذكرت ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال «إن أخذتها أخذت قوسا من نار» فرددتها ا ه.
ورابعا : ما رواه أصحاب السنن الأربعة والحاكم وصححه عن عثمان ابن أبي العاص الثقفي أنه قال آخر ما عهد إلي رسول الله أن اتخذ مؤذنا لا يأخذ على الأذان أجرا.
فهذه الأحاديث صريحة في منع أخذ الأجرة على تعليم القرآن وعلى الأذان ، ويقاس عليهما غيرهما من القرب التي يتعدى نفعها إلى غير فاعلها بجامع أن كلّا قربة لله تعالى.
وخامسا : أن القربة إذا وقعت إنما تقع عن فاعلها ، فهو الذي ينتفع بثوابها ، ولا يحصل لغيره شيء من هذا الثواب. فأخذ الأجرة في مقابلتها لا يجوز لعدم المعارضة كمن يأخذ أجرة على حمل متاع نفسه ، أو خياطة ثوبه.
وسادسا : أن أخذ الأجرة على القرب المذكورة سبب لتنفير الناس عنها ، وفي ذلك تضييع للشعائر الدينية ، أو استثقال لها ، فلا يجوز.
وقد ناقش الجمهور هذه الأدلة بما يأتي :
أما الحديث الأول فهو أخص من محل النزاع لأن المنع من التأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من الاستئجار على تعليمه ؛ لأن الأكل به محمول على اتخاذه وسيلة للسؤال ، كما يصنع بعض أهل زماننا وإنما حرم ؛ لما فيه من الزراية بالقرآن ، والذي سوغ الحمل على هذا المعنى هو الجمع بينه وبين قوله صلىاللهعليهوسلم «إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله» كما سيأتي ذلك في أدلة المجوزين ، ويؤيده حديث عمران بن حصين المذكور بعده.
وأما الحديث الثاني فليس فيه إلا تحريم السؤال بالقرآن ، وهذا غير اتخاذ الأجرة على تعليمه.
وأما الحديث الثالث ، فقد قال البيهقي إنه منقطع يعني بين عطية الكلاعي وأبي بن كعب ، وكذلك قال المزي ، وتعقبه الحافظ بأن عطية ولد في حياة الرسول صلىاللهعليهوسلم. وأعله ـ