وَلِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَمَنْ حَوْلَها وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَهُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ (٩٢) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ ما أَنْزَلَ اللهُ وَلَوْ تَرى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ (٩٣) وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)(٩٤)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ) : قيل : نزلت سورة الأنعام في محاجة أهل الشرك إلا آيات نزلت في محاجة أهل الكتاب ، إحداها (١) هذه (٢) : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ ...) الآية ، وذكر في موضع آخر : (ما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج : ٧٤] وقال في آية أخرى (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً ...) [الزمر : ٦٧] الآية.
ثم قال بعض أهل التأويل (٣) : ما عرفوا الله حق معرفته.
وقال غيرهم (٤) : ما عظموا الله حق عظمته ؛ ذكروا أن هؤلاء لم يعظموا الله حق عظمته ، ولا عرفوه حق معرفته ، ومن يقدر أن يعظم الله حق عظمته ، أو أن يعرفه حق معرفته ، أو من يقدر أن يعبد الله حق عبادته؟!
وكذلك روي في الخبر : «أن الملائكة يقولون يوم القيامة : يا ربنا ما عبدناك حق عبادتك» (٥) ، مع ما أخبر عنهم أنهم : (لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ) [التحريم : ٦] ، وقال : (لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ) [الأنبياء : ١٩] ، فهم مع هذا كله يقولون : «ما عبدناك حق عبادتك» ، ومن يقدر أن يعرفه حق معرفته ، أو يعظمه
__________________
(١) في أ : أحدها.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٦٤) (١٣٥٤٥ ، ١٣٥٤٧) عن مجاهد (١٣٥٤٦) عن ابن عباس ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٥٣) وزاد نسبته لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ وابن مردويه عن ابن عباس ولابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن مجاهد.
(٣) ذكره القرطبي (٧ / ٢٦) ونسبه لأبي عبيدة والخازن في تفسيره (٢ / ٤١٠) ونسبه للأخفش.
(٤) ذكره القرطبي (٧ / ٢٦) ونسبه للحسن ، والخازن (٢ / ٤١٠) ونسبه لابن عباس.
(٥) هو جزء من حديث طويل عن عمر بن الخطاب :
أخرجه الحاكم (٣ / ٨٧ ـ ٨٨) ، والبيهقي في شعب الإيمان (١ / ١٨٣) (١٦٦) ، وابن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة (٢٥٥) وقال الحاكم صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه فتعقبه الذهبي فقال منكر غريب وما هو على شرط البخاري ، وعبد الملك ضعيف تفرد به.
وقال ابن كثير في تفسيره (٨ / ٢٩٧) هذا حديث غريب جدّا بل منكر نكارة شديدة.