وبعثهم بعد إماتتهم وإفنائهم ، وإن لم يبق لهم أثر ؛ كما قدر على هذا ، يعرفهم قدرته أنها غير مقدرة بقدرة الخلق وبقوتهم ، بل خارجة عن قوتهم ؛ لأن قوته وقدرته ذاتية أزلية بلا سبب ، وقوتهم وقدرتهم بأسباب ؛ وكذلك ما يشق من الورق الضعيف اللين الشجر والنخل مع شدته وصلابته ، ما لو اجتمع الخلائق كلهم على شق ذلك الشجر بذلك الورق مع لينه ما قدروا عليه ، يعرفهم لطفه وقدرته أنه لا يعجزه شيء.
وفيه أن ذلك فعل واحد ؛ لأنه لو كان فعل عدد لكان إذا أراد هذا شقه منع الآخر عن ذلك.
وفيه أنه على تدبير خرج لا جزافا ؛ حيث اتفق ذلك في كل عام على قدر واحد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَمُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِ).
إن الحب والنوى التي ذكر ميت ، فيخرج منهما (١) النبات الأخضر حيّا ، ثم يميت ذلك ويخرج منه حبا ونوى.
وفيه دلالة البعث بعد الموت ؛ يقول : إن الذي قدر على إخراج النبات الأخضر الحي من حبة ميتة أو نواة ميتة ، وليس فيها من أثر ذلك الحي شيء ـ لقادر أن يبعثهم ويحييهم بعد الموت ، وإن لم يبق من أثر الحياة شيء ، وقد ذكرنا هذا فيما تقدم في غير موضع.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكُمُ اللهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ)
أي : ذلكم الذي يفعل ذلك هو الله ـ تعالى ـ لا الأصنام التي تعبدونها وأشركتم في عبادتكم لله وألوهيته [أي](٢) ، أيّ حجة تصرفكم عما ذكر؟ أي : لا حجة لكم في صرف الألوهية عنه إلى غيره ، ولا صرف العبادة إلى الأصنام.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ).
قيل (٣) : فأني تصرفون عما ذكر من دلالات وحدانيته وألوهيته وربوبيته.
والإفك : هو الصرف في اللغة (٤) ؛ كقوله : (قالُوا أَجِئْتَنا لِتَأْفِكَنا) [الأحقاف ٢٢]
__________________
(١) في أ : منها.
(٢) سقط في أ.
(٣) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦١) وعزاه لابن أبي حاتم عن الحسن.
(٤) الإفك : صرف الشيء عما يحق أن يكون عليه. قال تعالى : (فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ) [الأنعام : ٩٥] أي : تصرفون عن وجه الصواب. ومنه قيل للرياح العادلة عن مهابها : مؤتفكات أي مصروفات عن مهابها. وقال الشاعر :
إن تك عن أحسن المروءة مأ |
|
فوكا ففي آخرين قد أفكوا |
ورجل مأفوك أي مصروف العقل ، وقوله : (يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ)[الذاريات : ٩] أي يصرف عن الحق من صرف في سابق علم الله تعالى.
ينظر عمدة الحفاظ (١ / ١٠٧).