واحدا ومسلكا واحدا غير مختلف ؛ دلّ ذلك أنهما كانا بمدبر عليم حكيم.
وفي قوله : (فالِقُ الْإِصْباحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً) دلالة نقض قول المعتزلة ؛ لأن الإصباح هو فعل الخلق ؛ لأنه مصدر أصبح ، وكذلك السكن هو فعل الخلق ، ثم أضاف ذلك كله إلى نفسه ؛ دل أنه خالق أفعالهم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْباناً)
اختلف فيه ؛ قال أبو عبيد : هو من الحساب ، وهو جمع حساب ، [يقال : حساب وحسبان](١) ؛ مثل : شهاب وشهبان ؛ وهو كقوله (٢) : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسابَ) [يونس : ٥]. وقيل (٣) : حسبانا ، أي : جريانا ، يجريان ويدوران أبدا لا يستريحان ؛ دل أنهما كانا بغير مسخرين للخلق ؛ لأنهما لو كانا بطباعهما لكانا يستريحان. وقيل (٤) : حسبانا ، أي : ضياء ؛ كقوله : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) [يونس : ٥] ، والله أعلم بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ).
أي : ذلك الجريان الذي ذكر ، أو تلك المنافع التي جعلت فيها تقدير العزيز [العليم](٥).
قال الحسن : العزيز : هو الذي لا يعجزه شيء ، والعزيز : هو الذي [به](٦) يعز كل عزيز.
وقال بعض أهل التأويل (٧) : العزيز : المنيع في سلطانه ، المنتقم من أعدائه ، العليم بمصالح الخلق وبما كان ويكون وبحوائجهم ، وبالله التوفيق.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ).
والمراد منه : الظلمات ، وذكر في قوله : (قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ)
__________________
(١) في أ : وحساب.
(٢) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٧٩) (١٣٦١١) عن السدي بنحوه وذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١١٧).
(٣) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٧٩) (١٣٦١٠) عن ابن عباس بنحوه و (١٣٦١٣) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦٢) وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٤) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٨٠) (١٣٦١٥) عن قتادة ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ٦٢) وعزاه لعبد بن حميد وأبي الشيخ عن قتادة.
(٥) سقط في أ.
(٦) سقط في أ.
(٧) ينظر البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (٤ / ١٩١).