إحياء الخلق بمرة واحدة.
وفي إنزال المطر من السماء مع بعدها آية عجيبة وحكمة بالغة ، وهو أن ينزله واحدا [واحدا](١) حتى لا يختلط بعضه ببعض مع كثرة المطر وازدحامه وبعد السماء ما لو اجتمع الخلائق على حفظ مثله ما قدروا عليه [دل](٢) أنه كان بمدبر عليم حكيم.
وقوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ فِي ذلِكُمْ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ٩٩].
قد ذكرنا أنها تصير آيات لمن صدق بها وآمن ، وأما من عاند وكابر ولم يتأمل فيها لم يفهم [ما فيها](٣) من عجيب آياته وعظيم منته.
وفي قوله : (انْظُرُوا إِلى ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ) وجهان آخران من الحكمة :
[أحدهما] : أن انظروا إلى ثمره إذا أثمر أنه أول ما يخرج يخرج على لون واحد وعلى قدر واحد وعلى طعم واحد ، ثم يختلف ألوانها وطعمها وتتفاوت أقدارها ؛ ليعلموا أنه كان بتدبير واحد عليم حكيم قادر على خلق الأشياء بلا سبب ؛ لأنه لو كان كذلك بسبب لا بتدبير فيه كان سبب هذا كله واحدا ، فيجيء أن يخرج كله على سنن واحد ؛ دل أنه خالق بذاته لا بسبب.
والثاني : أن انظروا إلى ثمره إذا أثمر وينعه أنه جعل ما يطيب منه للبشر ، وعلمهم أسبابا يتخذون بها الطيبات من ذلك من نحو النضج والطبخ وغيره ، وجعل لغيرهم من الحيوان كما هو خارج من الأرض ؛ ليعلموا أن غيرهم من الحيوان والدواب إنما جعلهم لمنافع البشر مسخرين لهم ، وأن البشر هم المقصودون في خلق الأشياء كلها ، وبالله الحول والقوة ، وله المنة والفضل.
قوله تعالى : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ (١٠٠) بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (١٠١) ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (١٠٢) لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ)(١٠٣)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ الْجِنَ) أي : قالوا لله شركاء ؛ وكذلك قوله : (وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ) أي : يقولون لله البنات ، أو وصفوا لله ، دليله ما ذكر في آخره : (سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَصِفُونَ) دل هذا أن قوله : (وَجَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكاءَ) أي : وصفوه
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) سقط في أ.