قوله : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) أي : أنشأهما بلا احتذاء (١) ولا امتثال بغير ، وقوله (٢) هذا يرد على القرامطة قولهم ؛ [لأنهم يقولون : خالق ، [ولا يقولون مبدع](٣) ، ويقولون : المبدع الثاني هو أول مخلوق خلق منه جميع العالم ، فلو كان أول خلق خلق مبدعا فهو مبدع ، والإبداع : هو إحداث شيء لم يسبق له أصل ولا مثال ؛ ولهذا يقال لمن أحدث في دينه شيئا : مبتدع ؛ لأنه أحدث فيه شيئا لم يسبق له أصل ولا مثال.
وقوله ـ عزوجل ـ : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ).
أي : من قدر على إبداع السموات والأرض ، لا عن أصل سبق ولا عن مثال تقدم ؛ فأنى يقع له الحاجة إلى الولد؟! والولد في الشاهد إنما يتخذ ؛ [لإحدى](٤) خصال ثلاث : إما للانتصار على الأعداء والانتقام منهم ، وإمّا لوحشة تأخذهم ، وإما لحاجة تمسّهم ؛ فالله ـ سبحانه وتعالى ـ يتعالى عن ذلك كله فأنى يتخذ ولدا؟!
والثاني : (أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صاحِبَةٌ) ، أي : تعرفون أن الولد لا يكون في الشاهد إلا عن صاحبة [وليست له صاحبة](٥) فأنى يكون له ولد ؛ كأن الخطاب كان في قوم ينفون عنه الصاحبة ، وإنما الحاجة إلى الصاحبة ؛ للشهوات التي مكنت فيهم ؛ فالشهوة هي التي تقهر المرء وتحمله على الحاجة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ).
فيه نقض قول المعتزلة ؛ لأنه أخبر أنه خلق كل شيء ، وعلى قولهم : لم يخلق جزءا من ألف جزء من الأشياء ؛ لأنهم يقولون : إن الله لم يخلق أفعال العباد ، ولا حركاتهم ، ولا سكناتهم (٦) ، ولا قيامهم ، ولا قعودهم ، ولا شيئا من ذلك ، ثم لا يجوز أن تصرف الآية إلى الخصوص ، وهو يخرج مخرج الامتداح ، ولو جاز أن يصرف هذا على شيء دون شيء لجاز لغيرهم أن يصرفوا قوله : (وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) إلى شيء دون شيء وكذلك قوله : (خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ) على قول المعتزلة هو خالق بعض الأشياء ليس هو بخالق الأشياء كلها ؛ على ما أخبر فلئن جاز صرفه إلى بعض الأشياء دون بعض ؛ لجاز ـ أيضا ـ صرف قوله (وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ).
__________________
(١) في ب : اجتزاء.
(٢) زاد في ب : (بَدِيعُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ).
(٣) بدل ما بين المعقوفين في أ : فهو مبدع.
(٤) سقط في ب.
(٥) سقط في أ.
(٦) في ب : وسكونهم.