وقيل : إلى بعض دون بعض ، حفظ بعض الأشياء ولم يحفظ الكل ، فإن لم يجز هذا ؛ لأنه خرج مخرج الامتداح ؛ فعلى ذلك لا يجوز صرف الأول إلى بعض دون بعض ؛ لأنه امتداح ، ولئن جاز أن يقال بأن العبد هو خالق ذلك ، جاز أن يقال : هو خالق الكل ، والقادر عليه ؛ فهذا سمج بيّن ، نسأل الله العصمة عن السرف في القول ، والزيغ عن الحق ؛ فإنه لا حول ولا قوة إلا بالله.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ).
أي : ابتدع خلق السموات والأرض ، وما ذكر من أنواع المنن والنعم التي أنعمها عليهم ؛ من نحو : ما جعل لهم من النجوم ؛ ليهتدوا بها في الظلمات ، وما ذكر أنه أنشأهم من نفس واحدة ، وما ذكر من إنزال الماء من السماء ، وإخراج ما أخرج به من النبات والثمار والحبوب والأعناب ، وغير ذلك من عجيب حكمته ، ذلك كله بالله الذي (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) ، منشئ ذلك كله.
(فَاعْبُدُوهُ).
أي : إليه وجهوا شكر نعمه ، ولا توجهوا إلى غيره ، قال الكيساني : بديع السموات [والأرض](١) ، وبادع السموات [والأرض](٢) واحد ؛ كما يقال : عليم وعالم ، و (بدع) و (ابتدع) : بمعنى واحد. وقال بعضهم : هو مثل قوله : (فاطِرِ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ) [الأنعام : ١٤].
وقوله ـ عزوجل ـ : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ).
قيل (٣) : كنى بالأبصار عن الخلق ؛ كأنه قال : لا يدركه الخلق ، وهو يدرك الخلق ، وإنما كنى بالأبصار عن الخلق ؛ لما بالأبصار تدرك الأشياء ويحاط بها ؛ لذلك كان معنى الكناية ، والله أعلم.
وقيل (٤) : هو [على](٥) حقيقة الأبصار ، [و] كذلك (٦) بصر القلب ؛ لما به نفع المعارف ، فإن كان بصر الوجه ، ففيه دليل إثبات الرؤية (٧) ؛
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) ينظر البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي (٤ / ١٩٨)
(٤) أخرجه ابن جرير (٥ / ٢٩٤) (١٣٦٩٨) عن ابن عباس ، و (١٣٦٩٩) عن قتادة ، و (١٣٧٠٠) عن عطية العوفي ، وانظر الدر المنثور للسيوطي (٣ / ٦٩).
(٥) سقط في ب.
(٦) في ب : لكنه.
(٧) استدل المنكرون بهذه الآية من وجهين ، الأول علي استحالة الرؤية ، الثاني على نفي الوقوع. ـ