والمشاهدات ، وكل شيء سبيل معرفته الآيات والدلائل : فهو غير محاط به ولا يدرك ؛ فهو على ما وصف نفسه : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [طه : ١١] ، (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) ؛ لأن الإدراك والإحاطة إنما يقعان بالمحسوسات ، لا بما يعرف بالآيات والدلائل ، وعلى ذلك جاءت دلائل الرسل [به](١) ؛ نحو ما قال موسى ـ حين سأله فرعون ـ : (فَمَنْ رَبُّكُما يا مُوسى قالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى) [طه : ٥٠] ، وقال إبراهيم : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] ، وقال : (فَإِنَّ اللهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ) [البقرة : ٢٥٨] دلالة على ألوهيته ووحدانيته من جهة الآيات والدلائل ، لا من غيره.
وعلى ذلك دل الله الخلق على معرفة وحدانيته وربوبيته ، بقوله : (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها) [الأنعام : ٩٧] ، وقال : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ) [يونس : ٥] ، وقال : (وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ) [الأنعام : ٩٩] إلى آخر ما ذكر ، دلهم (٢) على ما به يعرفون ألوهيته ووحدانيته من جهة الآيات والدلائل ، لا من جهة ما تقع به الإحاطة والإدراك ، وبالله الهداية والرشاد.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ).
قيل : اللطيف : في أفعاله ، الخبير بخلقه وبأعمالهم.
وقيل (٣) : اللطيف : البار الرحيم.
وقيل (٤) : اللطيف : هو العليم بخفيات الأشياء.
والخبير بظواهر الأشياء. ثم هو اللطيف : العظيم ، والعظيم في الشاهد : غير اللطيف ، واللطيف : غير العظيم ؛ لأن العظيم في الشاهد هو الذي به كثافة ، واللطيف : ما يلطف في نفسه ويرق ، وكل (٥) واحد منهما مما يناقض الآخر ؛ ليعلم أنه لطيف عظيم ، لا من الوجوه التي تعرف في الخلق ؛ وكذلك قوله : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) [الحديد : ٣] هو أول وآخر وظاهر وباطن ، وفي الخلق : من كان أولا لم يكن آخرا ، ومن
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : ذكره لهم.
(٣) قال الخازن في تفسيره (٢ / ٤٢٤) : قال الزهري : معنى اللطيف الرفيق بعباده وقيل هو الموصل الشيء إليك برفق ولين ، وقال أبو سليمان الخطابي : اللطيف هو اللين بعباده يلطف بهم من حيث لا يعلمون.
(٤) قال القرطبي (٧ / ٣٨) : قال أبو العالية : لطيف باستخراج الأشياء خبير بمكانها ، وقال البغوي في تفسيره مع الخازن (٢ / ٤٣٢) وأصل اللطف دقة النظر في الأشياء.
(٥) في ب : كل.