وقيل (١) : فلما نزل قوله : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا) الآية ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم [لأصحابه](٢) : «لا تسبوا ربكم فأمسكوا عن سبّ آلهتهم».
وقوله ـ عزوجل ـ : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ).
قال أبو بكر الكيساني : إن صلة قوله : (وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ) أنهم كانوا يعبدون هذه الأصنام والأوثان ؛ رجاء أن تقرب عبادتهم إياها إلى الله ؛ لا أنهم (٣) كانوا يعبدونها ويتخذونها آلهة دون الله ؛ فإذا سبّوا معبودهم فكأنهم سبوا الله عدوا بغير علم ؛ إذ العبادة في الحقيقة لله ، فيرجع سبّهم إياها إلى الله ؛ لذلك كان معنى السبّ فقال ؛ فعلى ذلك رجع قوله : (كَذلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) ؛ حتى امتنعوا عن سبّ [الله](٤) ، فذلك الذي زين عليهم.
وقال الحسن (٥) : قوله : (زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ) ، أي : زينا عليهم أعمالهم فيما أمروا به ، وفرض ويجب عليهم أن يفعلوا ، لا فيما لا يفرض ولا يحل لهم أن يفعلوا.
وكذلك يقول جعفر بن حرب (٦) والكعبي (٧) وغيرهما من المعتزلة : إنه زين عليهم
__________________
ـ يعدو عدوا ، وعدوا ، وعدوانا وعداء. ينظر اللباب (٨ / ٣٦٥) ، وإتحاف الفضلاء (ص ٢١٥) ، والإعراب للنحاس (١ / ٥٧٣) ، والإملاء للعكبري (١ / ١٤٩) ، والبحر المحيط (٤ / ٢٠٠).
(١) ذكره البغوي والخازن في تفسيرهما (٢ / ٤٢٦ ـ ٤٢٧).
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : لأنهم.
(٤) سقط في أ.
(٥) ذكره أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٢٠٢).
(٦) أبو الفضل جعفر بن حرب الهمذاني المعتزلي العابد ، كان من نساك القوم ، وله تصانيف. يقال : إنه حضر عند الواثق للمناظرة ، ثم حضرت الصلاة ، فتقدم الواثق ، فصلى بهم ، وتنحى بهم ، وتنحى جعفر ، فنزع خفه ، وصلى وحده ، وكان قريبا من يحيى بن كامل ، فجعلت دموع ابن كامل تسيل خوفا على جعفر من القتل ، فكاشر عنها الواثق ، فلما خرجوا ، قاله له ابن أبي دؤاد : إن هذا السبع لا يحتملك على ما صنعت ، فإن عزمت عليه ، فلا تحضر المجلس ، قال : لا أريد الحضور. فلما كان المجلس الآتي ، تأملهم الواثق ، قال : أين الشيخ الصالح؟ قال ابن أبي دؤاد : إن به السل ، ويحتاج أن يضطجع. قال : فذاك.
قال محمد النديم : وتوفي سنة ست وثلاثين ومائتين عن نحو ستين سنة.
وله كتاب (متشابه القرآن) ، وكتاب (الاستقصاء) ، وكتاب (الرد على أصحاب الطبائع) ، وكتاب (الأصول). ينظر سير أعلام النبلاء (١٠ / ٥٤٩) وطبقات المعتزلة (٧٦ ، ٧٧) ، والفهرست لابن النديم (٢٠٨) ، وتاريخ بغداد (٧ / ١٦٢) ، ولسان الميزان (٢ / ١٢١) ، وأعيان الشيعة (١٦ / ١٠٥ ، ١٠٦) ، وتذكرة طاهر الجزائري (١٣ / ١).
(٧) الكعبي : العلامة ، شيخ المعتزلة ، أبو القاسم ، عبد الله بن أحمد بن محمود البلخي ، المعروف بالكعبي ، من نظراء أبي علي الجبائي ، وكان يكتب الإنشاء لبعض الأمراء وهو أحمد بن سهل متولي نيسابور ، فثار أحمد ، ورام الملك ، فلم يتم له ، وأخذ الكعبي وسجن مدة ، ثم خلصه وزير ـ