وقوله ـ عزوجل ـ : (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) معناه ـ والله أعلم ـ [أن](١) يأتيهم وينزل بهم ما نزل بالمستهزئين ، [وإلا كان أتاهم أنباء ما نزل بالمستهزئين](٢) ، ولكن معناه ما ذكرنا ، أي : ينزل بهم ويحل ما نزل وحل بالمستهزئين.
ويحتمل قوله وجها آخر : (فَسَوْفَ يَأْتِيهِمْ أَنْباءُ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) وهو العذاب ؛ لأن الرسل كانوا يوعدونهم (٣) أن ينزل بهم العذاب بتكذيبهم الرسل ، فعند ذلك يستهزءون بهم ؛ كقوله : (عَجِّلْ لَنا قِطَّنا) [ص : ١٦] وكقوله : (وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ) [العنكبوت : ٥٣] وغير ذلك ؛ إذ قالوا : (اللهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ) [الأنفال : ٣٢] فأخبر أنه ينزل بهم ذلك كما نزل بأولئك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) قال الحسن (٤) : ألم يروا : ألم يعتبروا (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ).
وقال أبو بكر الكيساني : (أَلَمْ يَرَوْا) قد رأوا (كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ) [قال](٥) :
وهو واحد ، قد رأوا آثار الذين أهلكوا بتكذيبهم الرسل ، وتعنتهم ومكابرتهم ، لكنهم لم يعتبروا بذلك.
وقوله ـ عزوجل ـ : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ ما لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ) قال بعضهم : أعطيناهم من الخير والسعة والأموال ما لم نمكن لكم يا أهل مكة أي : لم نعطكم ، ثم إذا كذبوا الرسل أهلكهم الله ـ تعالى ـ وعاقبهم بأنواع العقوبة.
__________________
ـ رسول الله ونبيه بعثني لأبلغ رسالته ، وأدعوك إلى الله بالحق ، فوالله إنه لحق ، فأدعوك يا أبا بكر إلى الله وحده لا شريك له ولا تعبد غيره والموالاة على طاعته. وقرأ عليه القرآن فلم يعز ولم ينكر بل أسلم وكفر بالأصنام وخلع الأنداد وأقر بحق الإسلام ، ثم رجع إلى أهله وقد آمن وصدق.
قال ابن إسحاق : بلغني أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : ما دعوت أحدا إلى الإسلام إلا كانت عنده كبوة وتردد ونظر إلا أبا بكر ما عكم عنه حين ذكرته له ولا تردد.
قال البيهقي : وذلك لما كان يرى من دلائل نبوته ويسمع بشأنه قبل دعوته ، فلما دعاه وقد سبق فيه تفكره ونظره أسلم على الفور.
قال السهيلي ـ رحمهالله تعالى ـ : وكان من أسباب ذلك توفيق الله تعالى إياه فيما ذكروا أنه رأى رؤيا قبل ، وذلك أنه رأى القمر نزل إلى مكة ثم رآه قد تفرق على جميع منازل مكة وبيوتها فدخل في كل بيت شعبة ، ثم كان جميعه في حجره. فقصها على بعض أهل الكتابين فعبرها له بأن النبي صلىاللهعليهوسلم المنتظر قد أظل زمانه ، اتبعه وتكون أسعد الناس به ، فلما دعاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم لم يتوقف. ينظر سبل الهدى والرشاد (٢ / ٤٠٥ ـ ٤٠٦).
(١) سقط في ب.
(٢) سقط في ب.
(٣) في أ : يوعدونه.
(٤) ذكره القرطبي في تفسيره (٣ / ٢٥٢) بنحوه ولم ينسبه لأحد.
(٥) سقط في ب.