ويحتمل : مكناهم في الأرض من القوة والشدة ؛ كقوله : (وَقالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت : ١٥] ثم مع شدة قوتهم أهلكوا إذ كذبوا الرسل.
ويحتمل وجها آخر : (مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ) أي : في قلوب الخلق ، من نفاذ القول ، وخضوع الناس لهم ؛ لأنهم كانوا ملوكا وسلاطين الأرض ، من نحو نمرود (١) ، وفرعون (٢) ، وعاد (٣) ، مع ما كانوا كذلك أهلكوا إذ كذبوا الرسل ، وأنتم يا هؤلاء ليس
__________________
(١) هو النمروذ بن كنعان بن سام بن نوح ، هو أول من وضع التاج على رأسه ، وتجبر وادعى الربوبية ؛ حاج إبراهيم أي : خاصمه وجادله ، واختلفوا في وقت هذه المحاجة ، فقال مقاتل : لما كسر الأصنام سجنه النمروذ ، ثم أخرجه ليحرقه فقال له : من ربك الذي تدعونا إليه ؛ فقال : (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) [البقرة : ٢٥٨] ، وقال قتادة : هو أول من تجبر ، وهو صاحب الصرح ببابل ، وقيل : هو نمروذ بن فالج بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام ، وحكى السهيلي أنه النمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح ، وكان ملكا على السواد ، وكان ملكه الضحاك الذي يعرف بالأزدهاق ؛ وذلك أن الناس قحطوا على عهد نمروذ ، وكان الناس يمتارون من عنده الطعام ، وكان إذا أتاه الرجل في طلب الطعام سأل : من ربك؟ فإن قال : أنت ، نال من الطعام فأتاه إبراهيم فيمن أتاه ، فقال له نمروذ : من ربك ؛ فقال له إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت. فاشتغل بالمحاجة ، ولم يعطه شيئا ، فرجع إبراهيم عليه الصلاة والسلام فمر على كثيب من رمل أعفر ، فأخذ منه تطييبا لقلوب أهله إذا دخل عليهم ، فلما أتى أهله ، ووضع متاعه نام فقامت امرأته إلى متاعه ، ففتحته فإذا هو بأجود طعام رأته ، فصنعت له منه فقربته إليه ، فقال : من أين هذا؟ قالت : من الطعام الذي جئت به ، فعرف أن الله تعالى رزقه فحمد الله تعالى. ينظر اللباب (٤ / ٣٣٧) ، والطبري في التفسير (٥ / ٤٣٠) ، والرازي في التفسير (٧ / ٢٠) ، واللباب في علوم الكتاب لابن عادل الحنبلي (٤ / ٣٣٧) ، والسيوطي في الدر المنثور (١ / ٥٨٦).
(٢) فرعون عدو الله قال العلماء بالتواريخ : هو فرعون موسى عمّر أربعمائة سنة وكان اسمه وليد بن مصعب ، وقيل غير ذلك ، وليس في الفراعنة أعتى منه وليس هو فرعون يوسف عليهالسلام ؛ لأن فرعون يوسف أسلم على يديه والله أعلم.
ينظر تهذيب الأسماء واللغات (١ / ٤٩) (٥١).
(٣) عاد قبيلة كانت تعبد الأصنام ، وكانت ذات بسطة وقوة ، قهروا الناس بفضل القوة ، قال الشهاب البيضاوي : عاد اسم أبيه سميت به القبيلة أو الحي ، قال الليث : وعاد الأولى ، هم عاد بن عاديا ابن سام بن نوح الذين أهلكهم الله تعالى ؛ قال زهير بن أبي سلمى :
ألم تر أن الله أهلك تبّعا |
|
وأهلك لقمان بن عاد وعاديا |
وأما عاد الأخيرة فهم بنو تميم ، ينزلون رمال عالج ، وفي كتاب الأنساب : عاد هو ابن عوص بن إرم بن سام بن نوح ، كان يعبد القمر ، ويقال : إنه رأى من صلبه وأولاد أولاده أربعة آلاف ، وإنه نكح ألف جارية ، وكانت بلادهم إرم المذكورة ، في القرآن ، وهي من عمان إلى حضرموت. ومن أولاده شداد بن عاد صاحب المدينة المذكورة كذا في تاج العروس.
وقال ابن عرفة : قوم عاد كانت منازلهم في الرمال ، وهي الأحقاف ، وقال ابن إسحاق : الأحقاف رمل فيما بين عمان إلى حضرموت. ينظر تفسير القاسمي (٧ / ١٦٤) ، وقلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة (٢٠٨) ، ومعجم قبائل العرب لعمر رضا كحالة (٢ / ٧٠٠) ، والأغاني للأصفهاني (٦ / ٢٨٠) ، وتاج العروس (٢ / ٤٠٢).