ما تعلمون [به] ذلك ، فكيف تحرمون ما ذكر اسم الله عليه ، ثم أمر بأكل ما ذكر اسم الله عليه ، وعاتب من ترك الأكل مما ذكر اسم الله عليه بقوله : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [١١٩] ولم يبين بم وبأي وجه بالذبح أو بغيره؟ وكذلك قوله : (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ) [المائدة : ٥] ولم يبين من أي وجه ، لكن الناس اتفقوا على صرف ذلك إلى الذبح ، فكان الذبح مضمرا فيه ؛ كأنه قال : كلوا (١) مما ذبح بذكر اسم الله عليه ، وما لكم ألا تأكلوا مما ذبح بذكر اسم الله عليه.
ثم لا يخلو اتفاقهم بمعرفة ذلك : إما أن عرفوا ذلك بالسماع من رسول الله ، أو عرفوا ذلك بنوازل [الأحكام](٢) ؛ إذ ليس في الآية بيان ذلك.
فكيفما كان ، ففيه دلالة نقض قول من يقول بأن من عرف نوازل الأحكام أو كان عنده رواية ، فترك [روايته](٣) يفسّق ؛ لأنه لما لم يذكر هاهنا النوازل ولا السماع دل أنه لا يفسق ؛ إذ كان قوله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) ذكر لمكان قول الثنوية (٤) ؛ لأنهم
__________________
(١) في ب : فكلوا.
(٢) سقط في ب.
(٣) سقط في أ.
(٤) الثنوية : فرقة من الكفرة يقولون باثنينية الإله ، قالوا : نجد في العالم خيرا كثيرا وشرّا كثيرا ، وإن الواحد لا يكون خيرا شريرا بالضرورة ، فلكل منهما فاعل على حدة وتبطله دلائل الوحدانية.
ثم المانوية والديصانية من الثنوية قالوا : فاعل الخير هو النور ، وفاعل الشر هو الظلمة ؛ وفساده ظاهر لأنهما عرضان ، فيلزم قدم الجسم وكون الإله محتاجا إليه ، وكأنهم أرادوا معنى آخر سوى المتعارف فإنهم قالوا النور حي عالم قادر سميع بصير.
والمجوس منهم ذهبوا إلى أن فاعل الخير هو يزدان ، وفاعل الشر هو أهرمن ، ويعنون به الشيطان ، كذا في شرح المواقف ، في مبحث التوحيد.
وفي الإنسان الكامل في باب سر الأديان ذهب طائفة إلى عبادة النور والظلمة لأنهم قالوا إن اختصاص الأنوار بالعبادة لهؤلاء أولى فعبدوا النور المطلق حيث كان فسموا النور يزدان والظلمة أهرمن ، وهؤلاء هم الثنوية ، فهم عبدوا الله سبحانه من حيث نفسه تعالى لأنه سبحانه جمع الأضداد بنفسه ، فشمل المراتب الحقية والخلقية ، وظهر في الوصفين بالحكمين وفي الدارين بالنعتين ، فما كان منه منسوبا إلى الحقيقة الإلهية ، فهو الظاهر في الأنوار ، وما كان منه منسوبا إلى الحقيقة الخلقية ، فهو عبارة عن الظلمة فعبدت النور لهذا السر الإلهي والجامع للوصفين والضدين.
ثم ذهب طائفة إلى عبادة النار لأنهم قالوا مبنى الحياة على الحرارة الغريزية وهي معنى ، وصورتها الوجودية هي النار فهي أصل الوجود وحدها فعبدوها وهؤلاء هم المجوس ، فهم عبدوا الله سبحانه من حيث الأحدية ، فكما أن الأحدية مفنية لجميع المراتب والأسماء والصفات كذلك النار فإنها أقوى الأسطقسّات وأرفعها لا يقاربها طبيعة إلا وقد تستحيل إلى النار لغلبة قوتها ، فلهذه اللطيفة عبدت النار.
ينظر : الموسوعة الإسلامية (ص ٤٤٥ / ٤٤٦).