ثم قوله : (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [١١٨] وقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) أباح ـ عزوجل ـ من الأنعام ما ذكر اسم الله عليه ، وحظر ما لم يذكر اسم الله عليه ، ونهى عن أكله بقوله : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) [١٢١] وبقوله : (وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ) [المائدة : ٣] جعل المهلّ لغير الله ميتة حراما ، وجعل المذكور اسم الله [عليه](١) ذكيّا حلالا ؛ فدل أن التسمية شرط في أكل (٢) الذبيحة (٣) ؛
__________________
ـ ثم استثنى من الحرمة المذكى فيكون حلالا.
ومنه قوله تعالى : (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ)[المائدة : ٥] وقد تقدم من معاني التذكية (التطييب) فالمذكى من الطيبات.
ومنه قوله تعالى : (وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا)[المائدة : ٢].
وأدنى درجات صفة الأمر الإباحة.
وقال تعالى (وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً)[المائدة : ٩٦].
جعل التحريم مغيّا بغاية فاقتضى الإباحة فيما وراء تلك الغاية.
ومن السنة ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلىاللهعليهوسلم بعث بديل بن ورقاء يصيح في فجاج منى : (ألا إن الذكاة في الحلق واللبة).
ومنها ما روي عن أبي ثعلبة الخشني أنه جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقال : (يا رسول الله إنا بأرض صيد أصيد بقوسي ، وأصيد بكلبي المعلم ، وأصيد بكلبي الذي ليس بمعلم فأخبرني ما ذا يصلح لي فقال عليه الصلاة والسلام «أما ما ذكرت أنكم بأرض صيد فما صدت بقوسك وذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك الذي ليس بمعلم فأدركت ذكاته فكل».
إلى غير ذلك من أحاديث.
وقد انعقد الإجماع في كافة العصور على إباحة التذكية لم يخالف في ذلك أحد من المسلمين.
أما المعقول : فقد سبق أن اللحم عنصر ضروري في غذاء الإنسان وذلك لاشتماله على عناصر أساسية منها المواد الزلالية والمواد الدهنية فإذا خلا منها أو من أحدهما الطعام كان غذاء ناقصا.
فلا بد إذا أن يتخذ الحيوان طعاما ولا وسيلة إلى ذلك إلا بتذكيته ، فالتذكية تحصل منفعة الغذاء لمن هو المقصود من الحيوانات وهو الآدمي فيكون ذلك سببا مباحا.
هذا وقد اختلفت الأمم في الوسيلة التي يزهق بها الحيوان قبل أكله ، ولا يزال كثير من أهل الديانات الأخرى يخالفون الإسلام في وسيلته. فلما ذا آثر الشارع الإسلامي ـ في الأحوال الطبيعية ـ أن تكون الذكاة في الحلق أو اللبة؟
هنا مناط العقل وحكمة التشريع.
ينظر : كتاب الذكاة لعبد الله حمزة ص ٨ ـ ١٣.
(١) سقط في أ.
(٢) في أ : حل.
(٣) أجمع الفقهاء على مشروعية التسمية عند الذبح ، وعند الإرسال ، والرمي إلى الصيد.
ولكنهم اختلفوا في كونها شرطا في حل الأكل : فذهب الشافعي وأصحابه إلى أنها سنة ، فلو تركها عمدا أو سهوا حل الصيد والذبيحة ، وهي رواية عن مالك وأحمد. وروي ذلك عن ابن عباس ، وأبي هريرة ، وعطاء ، وسعيد بن المسيب والحسن ، وجابر بن زيد ، وعكرمة ، وأبي رافع ، وطاوس ، وإبراهيم النخعي ، وعبد الرحمن بن أبي ليلى ، وقتادة. ـ