__________________
ـ وذهب أبو حنيفة ـ رحمهالله تعالى ـ إلى أن التسمية شرط للإباحة مع الذكر دون النسيان ، فإن تركها عمدا ، فالذبيحة ميتة. وهو مذهب جماهير العلماء ، والصحيح من مذهب مالك ـ رضي الله عنه ـ والمشهور عن أحمد في الذبيحة.
وقال أهل الظاهر : إن تركها عمدا ، أو سهوا لم يحل. وهو الصحيح عن أحمد في الصيد. وروي عن ابن سيرين ، وعبد الله بن عياش ، وعبد الله بن عمر ، ونافع ، وعبد الله بن يزيد الخطمي ، والشعبي ، وأبي ثور.
وقد احتج القائلون بالسنية : بالكتاب والسنة والقياس :
أما الكتاب : فمنه قوله تعالى : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ)[المائدة : ٣]. ووجه الدلالة : أن الله سبحانه وتعالى أباح المذكى ، ولم يذكر التسمية. فلو كانت التسمية شرطا ، لما تركها وأباح المذكاة بدونها.
فإن ورد على هذا أن الحيوان لا يكون مذكى إلا بالتسمية. قلنا : الذكاة في اللغة : الشق ، والفتح.
وقد وجدا. ومنه قوله تعالى (وَطَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ)[المائدة : ٥] أباح الله سبحانه وتعالى لنا ذبائحهم ، وهم لا يسمون عليها غالبا.
وأما السنة : فمنها ما روي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن قوما جاءوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وقالوا : «يا رسول الله إن قوما حديثي عهد بالجاهلية يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لم يذكروا فنأكل منها؟ قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سموا وكلوا».
حديث صحيح رواه البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن ماجه ، بأسانيد صحيحة كلها.
وأما دعوى الإرسال ، كما قال مالك ، والدار قطني ، وكثير : فيجاب عنها بوصل البخاري له ، وبأن الحكم للواصل إذا زاد عدد من وصل على من أرسل ، واحتف بقرينة تقوي الوصل كما هنا إذ عروة معروف بالرواية عن عائشة ، ففيه إشعار بحفظ من وصله عن هشام دون من أرسله.
ووجه الدلالة : أن التسمية لو كانت من شرائط الحل ، لما أمرهم النبي صلىاللهعليهوسلم بالأكل ، عند وقوع الشك فيها ؛ كما لو عرض الشك في نفس الذبح ، فلم يعلم : هل وقعت الذكاة المعتبرة أو لا؟
وقوله صلىاللهعليهوسلم : «سموا وكلوا» المراد بها : التسمية المستحبة عند أكل كل طعام ، وشرب كل شراب.
وهذه التسمية قد نابت عن التسمية عند الذبح.
فلو كانت التسمية عند الذبح شرطا ، لما نابت هذه التسمية ـ وهي سنة ـ عنها.
ومنها : ما روي عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «اسم الله على قلب كل مسلم سمى أو لم يسم».
وكون الذكر في قلبه في حالة العمد أظهر منه في حالة النسيان.
فإن قيل : إن هذا الحديث مخصص بالناس ؛ لما روي أن رجلا جاء إلى النبي صلىاللهعليهوسلم وقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل يذبح وينسى أن يسمي الله فقال عليه الصلاة والسلام «اسم الله على قلب كل مسلم».
فأجاب عنه النووي بأن هذا : حديث منكر مجمع على ضعفه. وقد أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة ، وقال : منكر لا يحتج به.
وأما المعقول : فلأن التسمية لو كانت شرطا للحل ، لما سقطت بعذر النسيان. نظير هذا اشتراط الطهارة للصلاة ؛ فإنها لما كانت شرطا لم تجز صلاة من نسي الطهارة.
ولو سلم القول باشتراطها ، فالملة أقيمت مقامها.
وهذا ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ سئل عن متروك التسمية ناسيا ، فقال : «يحل تسمية ملته».
وفي إقامة الملة مقام التسمية ، لا فرق بين العمد والنسيان. وأيضا : لو كانت التسمية من شرائط ـ