__________________
ـ الحل : لكانت مأمورا بها. ولا فرق في المأمورات بين العمد والنسيان ، كقطع الحلقوم والمريء في الذبح ، وكالتكبير والقراءة في الصلاة. وإنما يقع الفرق بينهما في المزجورات : كالأكل والشرب في الصوم ؛ لأن موجب النهي : الانتهاء. والناسي يكون منتهيا اعتقادا.
فأما موجب الأمر فهو الائتمار ، والتارك ناسيا أو عامدا لا يكون مؤتمرا.
وأيضا : فلأن التسمية هنا ؛ لاستصلاح الأكل ، فكانت ندبا لا حتما : كالطبخ والخبز.
ثم فيما هو المقصود ـ وهو الأكل ـ التسمية فيه ندب ، وليست بحتم. فهذا ـ وهو طريق إليه ـ أولى.
استدل الجمهور من الحنفية والمالكية ، وغيرهم : بالكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب : فقوله تعالى : (وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ)[الأنعام : ١٢١].
والاستدلال بالآية من وجهين :
أحدهما : أن هذا نهي ، ومطلق النهي ؛ للتحريم.
والثاني : أنه سمى أكل ما لم يذكر اسم الله عليه فسقا. بقوله عزوجل : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) ، ولا فسق إلا بارتكاب المحرم.
وقالوا : إن ظاهر الآية ، وإن كان يقتضي شمولها لمتروك التسمية نسيانا ، إلا أن الشارع جعل الناسي ذاكرا لعذر من جهته. وفي ذلك رفع للحرج ؛ لأن الإنسان كثير النسيان. ولو أريد بالآية هذا الظاهر ، لجرت المحاجة ، وظهر الانقياد ، وارتفع الخلاف في الصدر الأول ؛ لأن ظاهر ما يدل عليه اللفظ لا يخفى على أهل اللسان ، وفي ذلك من الحرج ما لا يخفى ، والحرج مدفوع ، كما هو مقرر في الشريعة (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)[الحج : ٧٨]. فوجب حمل الآية على حالة العمد ؛ دفعا للتعارض.
على أن الناسي ليس بتارك للتسمية ، بل هي في قلبه ؛ لما روي عنه صلىاللهعليهوسلم «تسمية الله في قلب كل مسلم» وحينئذ يكون متروك التسمية سهوا ليس مما لم يذكر اسم الله عليه.
ونوقش هذا الاستدلال : بأن النهي في الآية مخصوص بما إذا ذبح على اسم النصب.
يدل على ذلك :
أولا : قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ).
وهذا على وجه التحقيق والتأكيد ، لا يصح في حق أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عمدا أو سهوا ، إذ لا فسق بفعل ما هو محل الاجتهاد. وقد أجمع المسلمون على أنه لا يفسق آكل ذبيحة المسلم الذي ترك التسمية.
ثانيا : قوله تعالى : (وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ)[الأنعام : ١٢١].
وهذه المناظرة إنما كانت في مسألة الميتة ؛ لما روي أن قوما من المشركين قالوا للمسلمين : «تأكلون ما تقتلونه ، ولا تأكلون ما يقتله الله»؟
يقصدون بما قتل الله : ما مات حتف أنفه.
وثالثا : قوله تعالى : (وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ)[الأنعام : ١٢١].
معناه والله أعلم : أنكم لو رضيتم بهذه الذبيحة التي ذبحت على اسم الأوثان ، فقد رضيتم بألوهيتها وذلك يوجب الشرك.
قال الإمام الشافعي ـ رضي الله تعالى عنه ـ «فأول الآية وإن كان عاما بحسب الصيغة ، إلا أن آخرها لما حصلت فيه هذه القيود الثلاثة علمنا أن المراد من ذلك العموم هو هذا الخصوص».
قالوا : ومما يؤكد هذا المعنى قوله تعالى : (وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ) إذ لا يصح أن يكون معطوفا على النهي ـ