لأنها لو لم تكن شرطا في حل الذبيحة لم يكن المهلّ به لغير اسم الله ميتة حراما ، ولأنه سمى ما لم يذكر اسم الله عليه فسقا ، والفسق هو الخروج عن أمر الله ؛ كقوله : (فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ) [الكهف : ٥٠] أي : خرج ؛ فدل أن التسمية شرط فيها.
ولهذا يحل لنا ذبائح أهل الكتاب إذا سمعناهم يذكرون اسم الله عليه ، وإن كانوا ما (١) يذكرون في الحقيقة غير الله ؛ لأنهم لا يعرفون الله حقيقة ، ولكن إذا ذكروا اسم الله عليه تحل لنا (٢).
ولا يحل ذبائح أهل الشرك ؛ لأن أهل الشرك لا يرون الذبائح رأسا ؛ يذهبون مذهب الزنادقة (٣) ، والزنادقة لا يرون الذبائح ؛ يقولون لنا : إنكم تقولون : إن ربكم رحيم حكيم ، وليس من الحكمة والرحمة أن يأمر أحدا بذبح آخر ويقتله ؛ فيأكلون الميتة ولا يرون أكل الذبيحة ، ويقولون : ليس هذا أمر من كان موصوفا بالرحمة أو بالحكمة.
[لكنا نقول : إن كراهة الذبح والنفور عنه نفور طبع وكراهته كراهة طبع لا كراهة العقل.
فما يكرهه الطبع وينفر عنه يجوز أن يباح لما يعقب نفعا في المتعقب نحو ما يباح الافتصاد والحجامة والتداوي بأدوية كريهة لنفع يعقب ويتأمل ، وإن كان الطبع يكرهه وينفر عنه وليس هو مما يقبحه العقل إنما لا يجوز أن يباح بفعل ويؤمر به مما يقبحه العقل ويكرهه.
__________________
ـ وناقش كل واحد أدلة الآخر. ولا يخفى أن الأدلة المحرمة لمتروك التسمية ظاهرة في ذلك ، والأدلة المبيحة الصحيحة قد فتت في عضدها ، وأنزلتها من مكانها فالاحتياط والورع لهما الحكم الفصل في هذه المسألة.
والله سبحانه وتعالى أعلم. ينظر كتاب الذكاة لعبد الله حمزة ص (٨٠ ـ ٨٧).
(١) في أ : لا.
(٢) ذكر جميع الفقهاء إجماع أهل العلم على إباحة ذبائح أهل الكتاب ، وقالوا : إن خلاف الشيعة لا يعتد به ؛ لأنه لا يعتد بهم في الإجماع.
(٣) الزنادقة فرقة مبطلة متصلة بالمجذوبين ، والزنديق بالكسر وسكون النون وكسر الدال (الثنوي القائل بإلهين منهما يكون النور والظلمة ويسميهما (يزدان) و (أهرمن) ، فيسمي خالق الخير (يزدان) وخالق الشر (أهرمن) يعني الشيطان ، وهو الذي لا يؤمن بالحق تعالى وبالآخرة ، وهو الذي يظهر الإيمان ويبطن الكفر ، وقد قال البعض : إنه معرب (زن دين) أي : من يكون له دين النساء ، والصحيح المعنى الأول وهو معرف (زندي) أي من يؤمن (بالزند) كتاب زرادشت ، والقائل بيزدان وأهرمن.
ويقول في شرح المقاصد : إن الزنديق كافر لأنه مع وجود الاعتراف بنبوة محمد صلىاللهعليهوسلم يكون في عقائده كفر وهذا بالاتفاق.
ينظر : كشاف اصطلاحات الفنون (٣ / ١١٧).