لكم شيء من ذلك ، أفلا تهلكون إذا كذبتم الرسل؟! وإنما حملهم على تكذيب الرسل ـ والله أعلم ـ لما كانوا ذوي سعة وقوة ، فلم يروا الخضوع لمن دونهم في ذلك [لما رأوا الأمر بالخضوع لمن دونهم في ذلك](١) جورا غير حكمة ، وإنما أخذوا ذلك من إبليس (٢) اللعين ؛ حيث قال عند أمره بالسجود لآدم ، فقال : (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) [الأعراف : ١٢] فعلى ذلك هؤلاء الكفرة رأوا الأمر بالخضوع لمحمد صلىاللهعليهوسلم جورا (٣) منه ، حتى قالوا : (لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) [الزخرف : ٣١].
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَأَرْسَلْنَا السَّماءَ عَلَيْهِمْ مِدْراراً) قال القتبي : مدرارا بالمطر : أي غزيرا (٤) ، من درّ يدرّ.
وقال أبو عوسجة (٥) : أي : درت عليهم السماء بالمطر (٦) ، أي : كثر ودام وتتابع واحدا بعد واحد في وقت الحاجة (٧)(وَجَعَلْنَا الْأَنْهارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ) [أخبر عن سعة](٨) أولئك ،
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) إبليس عدو الله قال الجوهري وغيره : كنيته أبو مرة ، واختلف العلماء في أنه من الملائكة من طائفة يقال لهم الجن أم ليس من الملائكة. وفي أنه اسم عربي أم عجمي ، والصحيح أنه من الملائكة وأنه عجمي ؛ قال الإمام أبو الحسن الواحدى : قال أكثر أهل اللغة والتفسير : سمي إبليس لأنه أبلس من رحمة الله تعالى أي : أيس والمبلس المكتئب الحزين الآيس قال : وعلى هذا هو عربي ، واختلفوا في أنه من الملائكة فروى عن طاوس ومجاهد عن ابن عباس أنه كان من الملائكة وكان اسمه عزازيل ، فلما عصى الله تعالى لعنه الله وجعله شيطانا مريدا وسماه إبليس ، وبهذا قال ابن مسعود وابن المسيب وقتادة وابن جريج وابن جرير واختاره الزجاج وابن الأنباري قالوا : وهي مستثنى من جنس المستثنى منه قالوا : وقول الله تعالى : (كانَ مِنَ الْجِنِ) [الكهف : ٥٠] أي : طائفة من الملائكة يقال لهم الجن. وقال الحسن وعبد الرحمن بن زيد وشهر بن حوشب : ما كان من الملائكة قط والاستثناء منقطع ، والمعنى عندهم أن الملائكة وإبليس أمروا بالسجود فأطاعت الملائكة كلهم وعصى ، إبليس والصحيح أنه من الملائكة لأنه لم ينقل أن غير الملائكة أمر بالسجود والأصل في الاستثناء أن يكون من جنس المستثنى منه والله أعلم ، وأما إنظاره إلى يوم الدين فزيادة في عقوبته وتكثير معاصيه وغوايته ، نسأل الله الكريم اللطف وخاتمة الخير. ينظر تهذيب الأسماء واللغات (١ / ١٠٦ ـ ١٠٧).
(٣) في أ : جوارا.
(٤) ذكره ابن قتيبة في غريب القرآن ص (١٥٠) ، وابن جرير في تفسيره (٥ / ١٠) بنحوه.
(٥) لم نجد له ترجمة فيما بين أيدينا من مصادر ومراجع.
(٦) ذكره ابن جرير في تفسيره (٥ / ١٤٩) من قوله.
(٧) من قول ابن عباس بنحوه ذكره السيوطي في الدر المنثور (٣ / ٨) ، وعزاه لابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ ، والبغوي في تفسيره (٢ / ٨٥) ، والرازي في تفسيره (١٢ / ١٣٢) من قوله.
(٨) في ب : يخبر عن سفه.