هو صلة قوله : (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ) أي : ما لكم ألا تأكلوا وقد بيّن (١) لكم ما حرم عليكم من الميتة والدّم ولحم الخنزير.
(إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [لأن أهل الشرك والزنادقة كانوا لا يرون أكل الذبيح ، ويأكلون الميتة والدم فلهم خرج الخطاب (وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ) وقد بين لكم ما حرم عليكم ، وهو الميتة والدم : (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)](٢).
قال الحسن (٣) : له أن يتناول (٤) من الميتة حتى يشبع ؛ لأنه أحل له التناول (٥) ، وعلى قولنا : لا يحل له الشبع (٦) ؛ لأنه إنما أحل عند الاضطرار (٧) [وهو غير مضطر إلى](٨)
__________________
(١) في أ : تبين.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه ابن جرير (٥ / ٣٢٢) (١٣٧٩٧) عن قتادة بنحوه ، والسيوطي في الدر (٣ / ٧٧) ، وعزاه لعبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٤) في أ : يتنزل له.
(٥) وعلى هذا مذهب المالكية فجوزوا للمضطر أن يأكل من الميتة حتى يشبع بل ويتزود منها ، فقد جاء في التاج والإكليل على مختصر خليل «ونص الموطأ قال مالك : من أحسن ما سمعت في الرجل يضطر إلى الميتة أنه يأكل منها حتى يشبع ويتزود منها ، فإن وجد عنها غنى طرحها وحجة مالك رحمهالله أن المضطر ليس ممن حرمت عليه الميتة فإذا كانت حلالا له أكل منها ما شاء حتى يجد غيرها فتحرم عليه.
ينظر : التاج والإكليل (٣ / ٢٣٣).
(٦) وعلى ذلك الأئمة الثلاثة ، غير أن للمذهب الحنبلي روايتين :
الأولى : لا يباح لأن الآية دلت على تحريم الميتة واستثنى ما اضطر إليه ، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل له الأكل كحالة الابتداء لأنه بعد سد الرمق غير مضطر فلم يحل له الأكل للآية.
والرواية الثانية : يباح له الشبع لما روى جابر بن سمرة أن رجلا نزل الحرة فنفقت عنده ناقة فقالت له امرأته : اسلخها حتى نقدد شحمها ولحمها ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم فسأله فقال : «هل عندك غني يغنيك؟» قال : لا قال : «فكلوها» ، ولم يفرق ولأن ما جاز سد الرمق منه جاز الشبع منه كالمباح.
ويرى ابن قدامة التفريق بين ضرورة مستمرة وأخرى يرجى زوالها وقال يحتمل أن يفرق بين ما إذا كانت الضرورة مستمرة وبين ما إذا كانت مرجوة الزوال ، فما كانت مستمرة كحالة الأعرابي الذي سأل رسول الله صلىاللهعليهوسلم جاز الشبع ؛ لأنه إذا اقتصر على سد الرمق عادت الضرورة إليه عن قرب ، ولا يتمكن من البعد من الميتة مخافة الضرورة المستقبلة ويفضي إلى ضعف بدنه ، وربما أدى ذلك إلى ضعف بدنه ، وربما أدى ذلك إلى تلفه بخلاف التي ليست مستمرة فإنه يرجو الغنى عنها بما يحل له.
ينظر المغني : (١١ / ٧٣ ـ ٧٤).
(٧) جاء في لسان العرب : الاضطرار الاحتياج إلى الشيء وقد اضطره إليه أمر والاسم الضرة.
ثم قال والضرورة كالضرة ورجل ذو ضارورة وضرورة أي ذو حاجة وقد اضطر إلى الشيء أي ألجئ إليه. ـ