من كان له حق التناول من مال آخر بغير بدل ، ثم إذا نهى أو منع (١) يلزمه البدل دل أنه
__________________
ـ أخذ الشيء بغير إذن مالكه فكان عليه ضمانه. وهذا عند الحنفية مضطر على قواعد مذهبهم ، ويتفق مع ما يرونه من أن المضطر لا يجب عليه أكل مال الغير مع الضمان بل ذلك مباح له فقط ولم يقولوا بوجوب التناول على المضطر مراعاة لحق المالك ، فاقتصروا على القول بالإباحة وهي لا تنافي الضمان عندهم.
مذهب المالكية : في المذهب المالكي أقوال ثلاثة :
أحدها : أن على المضطر ضمان ما أخذ من مال غيره لأن إذن المالك لم يوجد وإنما وجد إذن صاحب الشرع وهو لا يوجب سقوط الضمان وإنما ينفي الإثم والمؤاخذة بالعقاب ، ولأن القاعدة أن الملك إذا دار زواله بين المرتبة الدنيا والمرتبة العليا حمل على الدنيا استصحابا للملك بحسب الإمكان وانتقال الملك بعوض هو أدنى رتب الانتقال وهو الأقرب لموافقة الأصل من الانتقال بغير عوض.
ثانيها : أنه لا يجب على المضطر ضمان ما أخذه من مال الغير لأن المضطر لم يتناوله إلا ليسد به رمقه حفظا لنفسه من الهلاك والتلف وهذا العمل في حقيقة أمره كان واجبا على المالك إذ من المعلوم أنه يجب على من لديه فضل طعام أن يبذله لمن هو مضطر إليه والواجب لا يؤخذ له عوض.
والظاهر أن هذا الرأي هو مذهب جمهور المالكية على ما حكاه صاحب التاج والإكليل.
ثالث الأقوال عندهم : التفرقة بين ما إذا وجدت مع المضطر حال اضطراره قيمة ما تناوله من مال غيره وبين ما لم توجد : فإن وجدت معه وجب عليه الضمان وإن لم توجد فلا شيء عليه مطلقا.
مذهب الشافعية : يقول صاحب أسنى المطالب : وإن أطعمه المالك بلا معاوضة أي بغير ذكر عوض لم يلزمه شيء حملا على المسامحة المعتادة في الطعام لا سيما في حق المضطر. فلو اختلفا في التزام عوض الطعام فقال : أطعمته بعوض ، فقال المضطر بل مجانا صدق المالك بيمينه لأنه أعرف بكيفية بذله.
وفي مغني المحتاج : أنه لو وجد المضطر طعام غائب ولو غير محرز ، ولم يجد غيره أكل منه إبقاء لمهجته وغرم بدل ما أكله.
مذهب الحنابلة : والحنابلة يوجبون الضمان على المضطر لأنه قد فعل ذلك إحياء لنفسه وذلك مما يوجب الضمان عندهم لأن القاعدة عندهم «أن من أتلف شيئا لدفع أذاه عنه لم يضمنه وإن أتلفه لدفع أذى قائم به ضمنه». وقد قال ابن رجب تخريجا على هذه القاعدة «لو صال عليه آدمي أو بهيمة فدفعه عن نفسه بالقتل لم يضمنه. ولو قتل حيوانا لغيره في مخمصة ليحيي به نفسه ضمنه».
مذهب الظاهرية : يقول ابن حزم الظاهري في هذه المسألة : «من أكره على أكل مال مسلم أو ذمي فمباح له أن يأكل ولا شيء عليه لا حد ولا ضمان لقول الله عزوجل : (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)[الأنعام : ١١٩] وقوله تعالى (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ)[البقرة : ١٧٣] ولقوله تعالى : (فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[المائدة : ٣] فإن كان المكره على أكل مال المسلم له مال حاضر معه فعليه قيمة ما أكل ، فإن لم يكن له مال حاضر فلا شيء عليه فيما أكل لما ذكرنا.
ينظر حاشية ابن عابدين (٥ / ٢٩٥ ـ ٢٩٦) ، والحموي على الأشباه ص ١١٣ ، والفروق للقرافي (١ / ١٩٥) ، والتاج والإكليل (٣ / ٢٣٤) ، وحاشية الدسوقي (٢ / ١١٦) ، وشرح الزرقاني (٣ / ٣٠) ، وأسنى المطالب (١ / ٥٧٣) ، والقواعد ص (٣٦) قاعدة (٢٦) ، والمحلى (١١ / ٣٤٣) ، والبحر الزخار (٤ / ٣٣٢).
(١) في أ : منه.