[وبعد](١) : فإن ذلك الخبر من الأخبار المتواترة (٢) ؛ لأنه عرفه الخاص (٣) والعام (٤) ،
__________________
ـ والثاني : أن الله تعالى وصف نفسه بأنه الذي يأتي بخير منها. وذلك لا يكون إلا والناسخ قرآن لا سنة.
الثالث : وصف البدل بأنه خير أو مثل وكل واحد من الوصفين يدل على أن البدل من جنس المبدل والسنة ليست من جنس القرآن.
ويجاب عن الأدلة النقلية التي مفادها عدم الجواز شرعا بما يأتي.
أما عن الآية الأولى فإنها ظاهرة في تبديل رسم آية بآية والنزاع إنما هو في تبديل حكم الآية.
وليس فيه ما يدل على تبديل حكمها بآية أخرى.
وأما عن الثانية فلأن النسخ وإن كان بالسنة فهي من الوحي فلم يكن متبعا إلا ما يوحى إليه به.
وأما عن الثالثة فلأنا نقول : إما أن يراد به نسخ رسمها أو حكمها فإن كان الأول فهو ممتنع فإنه وصف البدل بكونه خيرا منها والقرآن خير كله ولا يفضل بعضه على بعض فلم يبق إلا الحكم ولا يمتنع شرعا أن تكون السنة ناسخة ؛ لأن الآتي بما هو خير إنما هو الله تعالى والرسول مبلغ. ولا يدل ذلك على أن الناسخ لا يكون إلا قرآنا بل الإتيان بما هو خير أعم من ذلك وعلى هذا تكون المفاضلة والمماثلة راجعة إلى حكم المنسوخ والناسخ وهذا كله لا يفيد الوقوع بل يفيد الجواز.
أما أدلتهم على عدم الوقوع فهي عين أدلة الفقهاء السالف ذكرها ويجاب عنها بما تقدم.
وأما دليلهم على عدم الجواز عقلا فمن وجهين :
الأول : أن السنة إنما وجب اتباعها بالقرآن في قوله تعالى : (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر : ٧] وذلك يدل على أن السنة فرع القرآن والفرع لا يرجع إلى أصله بالإبطال والإسقاط. كما لا ينسخ القرآن والسنة بالفرع المستنبط منهما وهو القياس.
والثاني : أن القرآن أقوى من السنة ودليله من ثلاثة أوجه :
الأول : قول النبي صلىاللهعليهوسلم لمعاذ «بم تحكم» قال : بكتاب الله قال : «فإن لم تجد» قال : بسنة رسول الله فنجد أن معاذا في إجابته لرسول الله صلىاللهعليهوسلم قدم العمل بكتاب الله على السنة والنبي صلىاللهعليهوسلم أقره على ذلك وذلك دليل قوته.
والثاني : أنه أقوى من جهة لفظه لأنه معجزة والسنة ليست معجزة.
والثالث : أنه أقوى من جهة حكمه حيث اعتبرت الطهارة في تلاوته من الجنابة والحيض وفي مسطوره مطلقا. والأقوى لا يجوز فيه النسخ بالأضعف.
يجاب عن الوجه الأول بأن الامتناع يلزم أن لو كانت السنة رافعة لما هي فرع عليه من القرآن.
وليس كذلك بل ما هي فرع عليه ، غير مرفوع وما هو مرفوع بها ليست فرعا عليه : على أن السنة ليست رافعة للفظ القرآن بل لحكمه وحكمه ليس أصلا لها.
وعن الوجه الثاني بأن القرآن وإن كان معجزا في نظمه وبلاغته ومتلوا ومحترما فليس فيه ما يدل على أن دلالته في كل آية أقوى من دلالة غيره ولهذا فإنه لو تعارض عام من الكتاب وخاص من السنة المتواترة كانت السنة مقدمة عليه ، وكذلك لو تعارضت آية ودليل عقلي فإن الدليل العقلي يكون حاكما عليها وكذلك الإجماع وكثير من الأدلة.
(١) سقط في ب.
(٢) هو ما رواه جمع يحيل العقل تواطؤهم على الكذب عادة ، من أمر حسي ، أو حصول الكذب منهم اتفاقا ، ويعتبر ذلك في جميع الطبقات إن تعددت.
ومن المتفق عليه عند العلماء وأرباب النظر أن القرآن الكريم لا تجوز الرواية فيه بالمعنى ، بل أجمعوا على وجوب روايته لفظة لفظة ، وعلى أسلوبه ، وترتيبه ، ولهذا كان تواتره اللفظي لا يشك فيه أدنى عاقل ، أو صاحب حس ، وأما سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقد أجازوا روايتها بالمعنى ؛ لذلك لم تتحد ـ