سورة الأنعام
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُماتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ (١) هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ (٢) وَهُوَ اللهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ)(٣)
قوله ـ عزوجل ـ : (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) الحمد : هو الثناء عليه بما صنع إلى خلقه من الخير.
ألا ترى أن الذم نقيضه في : الشاهد (١) ، ويحمد المرء بما يصنع من الخير ، ويذم على ضده.
فالتحميد : هو تمجيد الرب ، والثناء عليه ، والشكر (٢) له بما أنعم عليهم.
__________________
(١) الشاهد في اللغة : عبارة عن الحاضر.
ينظر تاج العروس من جواهر القاموس للسيد محمد مرتضى الزبيدي طبعة وزارة الإعلام (٨ / ٢٥٤) وكشاف اصطلاحات الفنون (٣ / ٩٩).
(٢) بالضم وبسكون الكاف مصدر شكرته وشكرت له ، أشكر شكرا وشكورا ، وشكرانا وهو في اللغة : الاعتراف بالمعروف المسدى إليك ونشره والثناء على فاعله وفي الاصطلاح : فعل يشعر بتعظيم المنعم بسبب كونه منعما ، أو هو صرف العبد النعم التي أنعم الله بها عليه في طاعته.
وهذا الفعل إما فعل القلب ، أعني الاعتقاد باتصافه بصفات الكمال والجمال ـ أو فعل الجوارح وهو الإتيان بأفعال دالة على ذلك ، وهذا شكر العبد لله تعالى.
وشكر الله للعبد أن يثني على العبد بقبول طاعته وينعم عليه بمقابله ويكرمه بين عباده.
والشكر العرفي : صرف العبد جميع ما أنعم الله عليه من السمع والبصر وغيرها إلى ما خلق له وأعطاه لأجله ، كصرفه النظر إلى مطالعة مصنوعاته والسمع إلى تلقي ما ينبئ عن مرضاته والاجتناب عن منهياته.
ويفرق بين الشكر والحمد اللغويين بأمور :
أحدها : الحمد أعم من الشكر باعتبار المتعلق ؛ فإن متعلقه النعمة وغيرها ، ومتعلق الشكر النعمة فقط.
ثانيا : الشكر أعم من الحمد باعتبار المورد ؛ فمورد الشكر اللسان والجنان والأركان ، ومورد الحمد هو اللسان فقط فكان بينهما عموم وخصوص من وجه ، فعمومه : أن يكون لمسدي النعمة ولغيره ، وخصوصه : بأنه لا يكون إلا باللسان ، وعموم الشكر بأنه يكون بغير اللسان ، وخصوصه : بأنه لا يكون إلا لمسدي النعمة ؛ قال الشاعر :
أفادتكم النعماء مني ثلاثة |
|
يدي ولساني والضمير المحجبا |
وقيل : هما سواء.
ينظر : كشاف اصطلاحات الفنون (٤ / ١١٢) المطلع على أبواب المقنع (١١ / ٢) نهاية المحتاج وحاشية الشبراملسي (١ / ٢٢) وأسنى المطالب (١ / ٣) وشرح مسلم الثبوت (١ / ٤٧).