سورة الأعراف
قيل إنها مكية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
قوله تعالى : (المص (١) كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ)(٣)
الحمد لله العليم بخلقه ، اللطيف لرشد عباده ، ضرب لهم الآيات والبيان ؛ لينقلهم بحكمته وتدبيره من الجهالة إلى العلم ، ومن الضلالة إلى الهدى ، ووصى رسوله أن يدعو عباده إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة (١) ، فبعث محمدا صلىاللهعليهوسلم إلى الناس كافة ، وأنزل إليه الكتاب تلا فيه ما في الكتب الأولى ؛ ليبين لأهل الكتاب والمشركين أن النبي الأمي (٢) العربي لم يعلم ما في الكتب الأعجمية إلا من عند الله ؛ ليكون ذلك أوضح لهم في الحجة.
وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم قبل الرسالة معروفا عند الفريقين أنه لم يتل (٣) كتابا ، ولا خطه
__________________
(١) كما في قوله تعالى : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ ...) [النحل : ١٢٥].
(٢) من المعجز : أن نبينا ـ عليهالسلام ـ نشأ مع قريش كنشأة الإنسان منا مع إخوته وبني عمه وأقاربه ، ثم لم يفارقهم في سفر ولا حضر بل كانوا معه إلى أن ادعى الرسالة ، ولم يعرف قبل ذلك بقراءة كتاب ولا دراسة سير ولا مداخلة أحد من أهل الملل حتى بعث رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأخبر عن القرون الماضية والأمم السالفة بما لا يبلغ معرفته ويقدر على الإخبار بمثله إلا من أفنى عمره في دراسة ذلك وقراءته ومجالسة العالمين به ومذاكرتهم به ؛ فكان هذا من أعظم المعجزات وأكبر الآيات البينات ؛ لأن هذا ليس من فعل البشر وهو خارق للعادة بعيد عن مستقر الطبيعة ، واقترن به التحدي ودعوى الرسالة ووجدت فيه سائر صفات المعجز ؛ فكان من معجزاته وبدائع آياته صلىاللهعليهوسلم وشرفه وكرمه.
فهذا وجه تعلق المعجز بكونه صلىاللهعليهوسلم أميّا ؛ ولذلك قال الله تعالى : (وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ)[العنكبوت : ٤٨].
فلم يكن صلىاللهعليهوسلم قبل أن يوحى إليه يتلو كتابا ولا تخطه بيمينه ، ثم تلا بعد ذلك أفضل الكتب وهو القرآن من غير تعليم ، وكان ذلك من آياته.
ولم تخرجه تلاوته له بعد أن لم يتل كتابا قبل نبوته من أن يكون من معجزاته.
فإن كان كتب بعد أن لم يكتب قبل نبوته فإن ذلك أيضا لا يؤثر في شيء من معجزاته ، ولا يرد آية من آياته ، ولا يغير شيئا مما جاء به. ينظر تحقيق المذهب ص ١٩٠ ـ ١٩٢.
(٣) في ب : لم يتلو. برفع الفعل بعد «لم» الجازمة ، وهذا وارد في كتب النحاة ، يقول ابن هشام المصري : «لم» حرف جزم لنفي المضارع وقلبه ماضيا نحو (لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ) [الإخلاص : ٣] ، وقد يرتفع الفعل المضارع بعدها كقوله :
لو لا فوارس من نعم وأسرتهم |
|
يوم الصليفاء لم يوفون بالجار |
فقيل : ضرورة ، وقال ابن مالك : لغة. ا ه. ينظر : مغني اللبيب (١ / ٢٧٧).