__________________
ـ فثبت أنه كان نسيان تضييع ، وذلك كقوله : (وَكَذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسى)[طه : ١٢٦] ، وقوله : (فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا)[الأعراف : ٥١].
وغير ذلك مما ذكر فيه النسيان ومعناه التضييع ، سمي به لما كان كل منسيّ متروكا ، وترك اللازم تضييع ، أو بما ينسى ويغفل عما يحل به من نعمة الله ، فسمي به كما وصف ذنب المؤمن بجهالة الجهلة بما يحل به لا بجهله بحقيقة فعله. أو سمي به من حيث لا يقصد بذلك عصيان الرب أو طاعة الشيطان.
وإلى ذلك يصرف بعض وجوه النسيان لا حقيقته.
ومن يقول بأنه كان على النسيان فهو يخرّج النسيان على وجوه :
أحدها : أنه لكثرة ما كان بينه وبين عدوه من التراجع اشتغل قلبه بوجوه الدفاع له والفكر في الأسباب التى بها نجاته ، ويتخلص من مكايده ، حتى أنساه ذلك ذكر العهد.
والسبب الذى يدفع الأشياء عن الأوهام في الشاهد كثرة الاشتغال وإنما كان النسيان عدوا في الأمور وسببا للعفو ؛ لأنه لا يخرج الآخذ به عن الحكمة ، وذلك معلوم في الشاهد ، أن من أقبل على أمر وأخذ في تحفظه وتذكره عمل عليه ذلك ، وإذا أحب ذلك مع الاشتغال بغيره من الأمور صعب عليه. بل الغالب في مثله الخفاء.
وجائز معاتبة آدم مع ذلك وتسميته عصيانا بأوجه :
أحدها : أنه لم يكن امتحن بأنواع مختلفة يتعذر عليه وجه الحفظ في ذلك ، وإنما امتحن بالانتهاء عن شجرة واحدة بالإشارة إليها ؛ فجائز ألا يعذر في مثله.
وكذلك النسيان فيما يعذر في الشاهد ، إنما يعذر في النوع الذى يبلى به وتكثر به النوازل.
ألا ترى أنه يعذر بالسلام في الصلاة ، وترك التسمية في الذبيحة ونحو ذلك ، ولا يعذر في الأكل في الصلاة ، وفى الجماع في الحج ، ونحو ذلك؟! فمثله الأمر الذى نحن فيه.
والثانى : أنه جائز أخذ الأخيار ومعاتبة الرسول بالأمر الخفيف اليسير الذى لا يؤخذ بمثل ذلك غيره ؛ لكثرة نعم الله عليهم وعظم منّته عندهم ، كما أوعدوا التضاعف في العذاب على ما كان من غيره.
وعلى ما ذكر في أمر يونس عليهالسلام من العقوبة بماء لعل ذلك من عظيم خيرات غيره ؛ إذ فارق قومه عما عاين من المناكير فيهم ، وفعل مثله من أحد ما يوصف به غيره.
وكذلك ما عوتب به محمد صلىاللهعليهوسلم فيما خطر بباله تقريب أجلة إشفاقا عليهم ، وحرصا على إسلامهم ومن يتبعهم على ذلك مما لعل من دونه لا يعدل شيء من خيراته بالذي عوتب به ، وبالله التوفيق.
والثالث : أنه لما عوتب بالذي يجوز ابتداء المحنة به ، ولمثله خلقه حيث قال لملائكته : (إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً)[البقرة : ٣٠] لكنه بكرمه ، وبالذي عوّد خلقه من تقديم إحسانه وإنعامه في الابتلاء على الشدائد والشرور ، وإن كان له التقديم بالثاني ، وذلك في جملة قوله : (وَبَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَالسَّيِّئاتِ)[الأعراف : ١٦٨] ، وقوله : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ)[الأنبياء : ٣٥] وبالله التوفيق.
وعلى ما في ذلك من مبالغة غيره ، والزجر عن المعاصي ، وتعظيم خطره في القلوب ؛ إذ جوزي أبو البشر وأول الرسل منهم ـ على ما فضله بما امتحن فيه ملائكته بالتعلم منه ، والسجود ـ بذلك القدر من الذلة ؛ ليعلم الخلق أنه ليس في أمره هوادة ، ولا في حكمه محاباة ؛ فيكونون أبدا على حذر من عقوبته ، والفزع إليه بالعصمة عما يوجب مقته ، وألا يكلهم إلى أنفسهم ؛ إذ علموا بابتلاء من ـ