وقوله ـ عزوجل ـ : (وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ).
قال الحسن قاسمهما في وسوسته إياهما إني لكما لمن الناصحين وهذا الذي يقول الحسن يومئ إلى أن آدم قد علم أنه الشيطان.
وقال أبو بكر الكيساني : إنه قد وقع عند آدم أن الشجرة التي نهاه ربه أن يتناول منها هي المفضلة على جميع الشجر ، فلمّا وسوس إليه الشيطان ، وقال له ما قال : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] ؛ فوافق ظنّه قول اللعين وما دعاهما إليه ، ثم اشتغل فنسي ذلك ؛ فتناول على النسيان [والنسيان](١) على وجهين :
نسيان الترك على العهد ، ونسيان السهو ، ولا يحتمل أن يكون آدم ترك [ذلك](٢) عمدا ؛ فهو على نسيان السهو ، إلى هذا يذهب أبو بكر الأصم أو كلام نحوه.
وقرأ بعضهم (٣) قوله : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) ، بكسر اللام من الملك ؛ ذهب في ذلك إلى ما قال : (هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى). وقراءة العامة الظاهرة : (إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ) ، بنصب اللام من الملائكة ، وقد ذكرنا جهة رغبة آدم في أن يصير ملكا ؛
__________________
ـ الذي ذكرت محله في قلوبهم بذلك القدر من الذلة ولا قوة إلا بالله.
والثاني : أن يكون حفظ النهي عنه لكنه خطر بباله النهي عن وجه لا يلحقه فيه وصف العصيان ، أو نسي قوله : (فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ) وقد ذكرنا النهي في وقت الفعل ، ولكن يسمى الوصف بالفعل من الظلم والنهي ؛ لعله سبق إلى وهمه غير جهة التحريم ، إذ يكون النهي على أوجه :
أحدها : للحرمة.
والثاني : نهي لما فيه من الداء وعليه في أكله ضرر ، وهذا معروف في الشاهد بما عليه الطباع ، نهي قوم عن أشياء محللة هي لهم ما يؤذي ويضر ، فيحتمل أن يسبق إلى وهمه ذلك ، لما وعد له في ذلك من عظم النفع.
يحتمل ما خوف به ليصل إلى ما وعد على ما سبق وجه النهي إلى ما وجه من حيث الضرر والمشقة.
(١) سقط في أ.
(٢) سقط في أ.
(٣) هي قراءة علي ، وابن عباس والحسن ، والضحاك ، ويحيى بن أبي كثير والزهري وابن حكيم عن ابن كثير (ملكين) بكسرها ، قالوا : ويؤيد هذه القراءة قوله في موضع آخر : (فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلى) [طه : ١٢٠] والملك يناسب الملك بالكسر ، وأتى بقوله (مِنَ الْخالِدِينَ) [الأعراف : ٢٠] ولم يقل : أو تكونا خالدين ؛ مبالغة في ذلك ؛ لأن الوصف بالخلود أهم من الملكية أو الملك ؛ فإن قولك : فلان من الصالحين ، أبلغ من قولك : صالح ، وعليه (وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ) [التحريم : ١٢].
ينظر : اللباب (٩ / ٥٦) ، والإعراب للنحاس (١ / ٦٠٤) ، والإملاء للعكبري (١ / ١٥٦) ، والبحر المحيط (٤ / ٢٧٩) ، والتبيان للطوسي (٤ / ٣٩٧).