عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ)(٢٧)
قوله ـ عزوجل ـ : (يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ).
قال ابن عباس (١) ـ رضي الله عنه ـ والحسن : أنزلنا ماء القراح من السماء ليتخذ منه اللباس ما يواري عوراتهم ، ويتخذ منه الطعام والأشياء التي بها قوام أنفسهم.
ويحتمل قوله : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً) أنزل الماء والأسباب التي بها يتخذ اللباس والأطعمة والأشربة ، والعلم في ذلك الماء والأسباب ، والعلم بذلك ، وإلا ما عرف الخلق أن كيف يتخذ ذلك لباسا والأطعمة والأشربة.
وفيه دليل إثبات الرسالة ؛ لأنهم لم يعرفوا ذلك إلا بوحي من السماء.
أو أن يكون قوله : (قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشاً) ، أي : جعل لكم وأنشأ لكم ما تتخذون منه اللباس والطعام والشراب ليس على الإنزال ، ولكن على أن جعل لكم ذلك ؛ كقوله : (جَعَلَ لَكُمُ الْأَنْعامَ لِتَرْكَبُوا مِنْها وَمِنْها تَأْكُلُونَ) [غافر : ٧٩].
وقوله : (جَعَلَ لَكُمْ) [النحل : ٨٠] ، أي : أنشأ لكم (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَسَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ) [النحل : ٨١] ، وهو أن خلق لنا ذلك.
وفيه دليل خلق أفعال الخلق ؛ لأنه إنما صار طعاما بفعل من العباد [لا](٢) أنه أنزل من السماء هكذا ، ثم أخبر أنه جعل ذلك لنا ، دل أنه خلق فعل الخلق فيه.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَرِيشاً) ، قال بعضهم (٣) : مالا.
وقال بعضهم (٤) : معاشا.
وقال القتبى (٥) : الريش والرياش : ما ظهر من اللباس ، وريش ما ستر به.
وقوله ـ عزوجل ـ : (وَلِباسُ التَّقْوى).
في حرف ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ : (وَلِباسُ التَّقْوى) ، بالرفع على الابتداء (٦) أي
__________________
(١) ذكره أبو حيان في البحر (٤ / ٢٨٣) ولم ينسبه لأحد.
(٢) سقط في أ.
(٣) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٥٧) (١٤٤٣٣) عن ابن عباس وعن مجاهد (١٤٤٣٤ ، ١٤٤٣٥) ، وعن السدي (١٤٤٣٦) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤١).
(٤) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٥٧) (١٤٤٤٠) عن معبد الجهني وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤١ ـ ١٤٢).
(٥) ذكره ابن جرير (٥ / ٤٥٧) ، والبغوي في تفسيره (٢ / ١٥٥) ولم ينسبه لأحد ، وأبو حيان في البحر (٤ / ٢٨٣).
(٦) وبه قرأ أبي وعبد الله بن مسعود ، والأعمش. ينظر : البحر المحيط (٤ / ٢٨٣) ، وتفسير القرطبي (٧ / ١٨٥) ، والكشاف (٢ / ٥٩) ، والمعاني للفراء (١ / ٣٧٥).