لباس التقوى خير ، ومن نصبه (١) ـ أيضا ـ فإنما ينصبه على الجواب لما تقدم ؛ وإلا الحق فيه الرفع (٢).
ثم اختلف فيه أهل التأويل قال الحسن : لباس التقوى : الدين.
وقال أبو بكر الأصم : القرآن.
__________________
(١) نافع ، وابن عامر ، والكسائي ، وأبو جعفر ، والحسن ، والشنبوذي. ينظر إتحاف الفضلاء (٢٢٣) ، والإعراب للنحاس (١ / ٦٠٦) ، والإملاء للعكبري (١ / ١٥٧) ، والبحر المحيط (٤ / ٢٨٣) ، والتبيان للطوسي (٤ / ٤٠٦) ، والتيسير للداني (١٠٩) ، وتفسير الطبري (١٢ / ٤٠١) ، وتفسير القرطبي (٧ / ١٨٥).
(٢) وأما الرفع فمن خمسة أوجه :
أحدها : أن يكون «لباس» مبتدأ ، و «ذلك» مبتدأ ثانيا ، و «خير» خبر الثاني ، والثاني وخبره خبر الأول ، والرابط هنا اسم الإشارة ، وهو أحد الروابط الخمسة المتفق عليها. وهذا الوجه هو أوجه الأعاريب في هذه الآية الكريمة.
الثاني : أن يكون «لباس» خبر مبتدأ محذوف ، أي : وهو لباس ، وهذا قول أبي إسحاق ، وكأن المعنى بهذه الجملة التفسير للباس المتقدم ، وعلى هذا فيكون قوله «ذلك» جملة أخرى من مبتدأ وخبر.
وقدره مكي بأحسن من تقدير الزجاج فقال : «وستر العورة لباس التقوى».
الثالث : أن يكون «ذلك» فصلا بين المبتدأ وخبره ، وهذا قول الحوفي ، ولا نعلم أن أحدا من النحاة أجاز ذلك ، إلا أن الواحدي قال : ومن قال : إن ذلك لغو ، لم يكن على قوله دلالة ؛ لأنه يجوز أن يكون على أحد ما ذكرنا.
قال شهاب الدين : فقوله «لغو» هو قريب من القول بالفصل ؛ لأن الفصل لا محل له من الإعراب على قول جمهور النحويين من البصريين والكوفيين.
الرابع : أن يكون «لباس» مبتدأ ، و «ذلك» بدل منه ، أو عطف بيان له ، أو نعت ، و «خير» خبره ، وهو معنى قول الزجاج وأبي علي ، وأبي بكر بن الأنباري ، إلا أن الحوفي قال : وأنا أرى ألا يكون «ذلك» نعتا ل «لباس التقوى» ؛ لأن الأسماء المبهمة أعرف مما فيه الألف واللام ، وما أضيف إلى الألف واللام ، وسبيل النعت أن يكون مساويا للمنعوت ، أو أقل منه تعريفا ، فإن كان قد تقدم قول أحد به فهو سهو.
قال شهاب الدين : أما القول به فقد قيل ـ كما ذكرته ـ عن الزجاج والفارسي وابن الأنباري ، ونص عليه أبو علي في الحجة أيضا ، وذكره الواحدي.
وقال ابن عطية : «هو أنبل الأقوال».
وذكر مكي الاحتمالات الثلاثة : أعني كونه بدلا ، أو بيانا ، أو نعتا ، ولكن ما بحثه الحوفي صحيح من حيث الصناعة ، ومن حيث إن الصحيح في ترتيب المعارف ما ذكر من كون الإشارات أعرف من ذي الأداة ، ولكن قد يقال : القائل بكونه نعتا لا يجعله أعرف من ذي الألف واللام.
الخامس : جوز أبو البقاء أن يكون «لباس» مبتدأ ، وخبره محذوف ، أي : ولباس التقوى ساتر عوراتكم. وهذا تقدير لا حاجة إليه.
ينظر : اللباب (٩ / ٦٩ ، ٧٠) ، ومعاني القرآن للزجاج (٢ / ٣٦٢ ، ٣٦٣) ، والمشكل (٢ / ٣٠٩) ، والدر المصون (٣ / ٢٥٣ ، ٢٥٤) ، والإملاء (١ / ٢٧١).