فيه [دلالة](١) لزوم الحجة والدليل فى حال الحسبان والظن إذا كان بحيث الإدراك والوصول إليه ؛ لأنه قال : (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) [الزخرف : ٣٧] فيه أنهم عند أنفسهم مهتدون ، ولم يكونوا ، ثم عوقبوا على ذلك ؛ دل أن الدليل والحجة قد يلزم ، وإن لم يعرف بعد أن [كيف] يكون سبيل الوصول إلى ذلك ، وهذا يرد قول من يقول بأن فرائض الله لا تلزم (٢) إلا بعد العلم بها والمعرفة.
قوله تعالى : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ)(٣٣)
قوله ـ عزوجل ـ : (يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ).
يحتمل أن يكون الخطاب ـ وإن خرج مخرج الأمر ـ بأخذ الزينة واللباس ، فهو على النهي عن نزعها ؛ لأن الناس يكونون آخذين الزينة وساترين عوراتهم غير بادين بها فإذا كان كذلك فهو على النهي عن نزع لباسهم وإبداء عوراتهم ، وهو ما ذكر في بعض القصّة أن أهل الشرك كانوا إذا طافوا بالبيت نزعوا ثيابهم ، ويقولون : لا نطوف في ثيابنا التي أذنبنا فيها ، فإن كان التأويل [ما](٣) قال ابن عباس (٤) وهؤلاء : فيكون فيه إضمار ؛ كأنه قال : خذوا زينتكم عند هذا المسجد ، كما تأخذون عند كل مسجد سواء.
وإلا خرج تأويل الآية على وجوه :
أحدها : يقول : صلوا في كل مسجد ، ذكر هذا لمن لا يرى الصلاة إلا في مسجده ، على ما روي : «أن لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» (٥).
والثاني : [يقول](٦) : صلوا بكل مسجد ، وبكل مكان ؛ كقوله ـ عليهالسلام ـ :
__________________
(١) سقط في أ.
(٢) في ب : لا يلزم.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٦٩) (١٤٥٠٩ ، ١٤٥١٠) ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤٥) وزاد نسبته لابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي.
(٥) أخرجه الدارقطني (١ / ٤١٩ ـ ٤٢٠) عن جابر وأبي هريرة ، وقال الحافظ في التلخيص (٢ / ٦٦) : هو ضعيف ليس له إسناد ثابت.
(٦) سقط في أ.