قال أبو بكر الأصم : الزينة ـ هاهنا ـ : هي اللباس (١) ؛ لأنه ذكر على أثر ذلك اللباس ، وهو قوله : (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) ، والطيبات من الرزق : ما حرموا مما أحل الله لهم من البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي وغير ذلك ، مما كانوا يحرمون الانتفاع به ؛ كقوله : (وَحَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلَّا مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ).
وقال الحسن (٢) : زينة الله هي المركب ؛ كقوله : (وَالْخَيْلَ وَالْبِغالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً) [النحل : ٨] جعل الله ما يركب زينة للخلق ، وهم كانوا يحرمون الركوب والانتفاع بها ، فقال : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) ، وقال : (وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ) : ألبانها ولحومها.
وقال غيره من أهل التأويل : زينة الله ـ هاهنا ـ : النبات وما يخرج من الأرض مما هو رزق للبشر ، والدواب جميعا ؛ كقوله : (إِنَّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ ...) [الكهف : ٧] الآية ، وكقوله : (حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ) [يونس : ٢٤] سمى لنا ما أخرج من الأرض : زينة.
وقوله ـ عزوجل ـ : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ).
اختلف فيه ؛ قال الحسن (٣) : هي ، يعني : الطيبات خالصة للمؤمنين في الآخرة لا يشاركهم الكفرة فيها ، فأمّا في الدنيا فقد شاركوهم ؛ فالتأويل الأول يخرج على التقديم والتأخير ؛ كأنه قال : قل هي للذين آمنوا خالصة يوم القيامة ، وفي الحياة الدنيا لهم جميعا ؛ كقوله : (قالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلى عَذابِ النَّارِ) [البقرة : ١٢٦].
ويحتمل قوله : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) ؛ لأنهم لم يحرموا الطيبات التي أحلّ الله لهم ، بل انتفعوا بها ، وحرمها أولئك ولم ينتفعوا بها ، فكانت هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا ؛ لما انتفعوا بها في الدنيا ، وتزودوا بها للآخرة ، وكانت [لهم](٤) خالصة يوم القيامة ، وإنما كان خالصا لهم يوم القيامة ، لما لا يكون لأهل الشرك ذلك ؛ لما لم يتزودوا للمعاد ، [و](٥) قد كانت لهم في الدنيا لو لم يحرموها وانتفعوا بها.
__________________
(١) أخرجه بمعناه ابن جرير (٥ / ٤٧٣) (١٤٥٤٢) عن ابن زيد ، وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٥٠) وعزاه لأبي الشيخ عن ابن زيد ، وذكره ابن عادل في اللباب (٩ / ٩٠) ونسبه لابن عباس.
(٢) ذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ٥٢) ولم ينسبه لأحد وابن عادل في اللباب (٩ / ٩٠).
(٣) أخرجه ابن جرير (٥ / ٤٧٤) (١٤٥٥٠) ، وذكره الرازي في تفسيره (١٤ / ٥٣) ، وابن عادل في اللباب (٩ / ٩٢).
(٤) سقط في أ.
(٥) سقط في أ.