وقوله ـ عزوجل ـ : (هُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) قال أبو بكر : هو هدى للكل : للمؤمن والكافر جميعا ، ورحمة للمؤمنين خاصة.
وأمّا عندنا : فهو هدى للمؤمنين ، وعمى على الكافرين ؛ على ما ذكر : (وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى) [فصلت : ٤٤] خص المؤمنين بالهدى لهم ؛ لأنهم هم المخصوصون بالانتفاع به دون أولئك ، وعلى أولئك عمى ورجس ؛ على ما ذكر ، وصار للمؤمنين حجة على أولئك ، وقوله : (فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ) [التوبة : ١٢٥] هذا للكافرين ، وقال للمؤمنين : (فَزادَهُمْ إِيماناً) [آل عمران : ١٧٣].
وقوله ـ عزوجل ـ : (هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ) أي : ما ينظرون إلا وقوع ما وعدهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم من نزول بأس الله بهم ، أي : لا يؤمنون إلا بعد وقوع البأس بهم ، لكن لا ينفعهم إيمانهم في ذلك الوقت : (يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ) ، والتأويل هو ما ينتهي إليه الأمر ويئول ، وما يقع بهم من البأس الموعود لهم ، وإيمانهم ما ذكر من قولهم (١) : (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) ، يعني : بالحق الواقع بهم من بأس الله الذي كانت الرسل تعدهم ، أي : إن ما وعدوا من وقوع البأس بنا كان حقّا.
ويحتمل قوله : (قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِ) أي : بالتوحيد ، أي : إن الذي جاءت به الرسل في الدنيا من التوحيد كان حقّا.
أو أن الذي أخبر الرسل عن (٢) هذا اليوم كان حقّا.
وقوله ـ عزوجل ـ : (فَهَلْ لَنا مِنْ شُفَعاءَ فَيَشْفَعُوا لَنا).
كأنهم (٣) إذا حل بهم ووقع ما أوعد لهم الرسول من البأس ، تمنوا عند ذلك الشفعاء الذين كانوا يعبدونهم في الدنيا ؛ كقولهم : (هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ) [يونس : ١٨].
أو طلبوا الشفعاء كما كانوا يطلبون في الدنيا شفعاء إذا بدا لهم أمر عظيم ، فيشفع بعضهم بعضا ، ويعين بعضهم بعضا في هذه الدنيا ، فعلى ما كان لهم في الدنيا تمنوا في الآخرة ذلك ، فإذا أيسوا عن ذلك وأيقنوا أن لا شفيع يشفع لهم ، فعند ذلك قالوا : (أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ) ، لا أنهم قالوا ذلك مجموعا ؛ كقوله : (يا لَيْتَنا نُرَدُّ وَلا نُكَذِّبَ بِآياتِ رَبِّنا ...) [الأنعام : ٢٧] إلى قوله : (لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ) [الأنعام : ٢٨].
قال بعضهم (٤) : لو ردوا في الدنيا ، لعادوا إلى ما نهوا عنه.
__________________
(١) في ب : قوله.
(٢) في أ : من.
(٣) في ب : كأنه.
(٤) ذكره البغوي في تفسيره (٢ / ١٦٤) ، وكذا أبو حيان في البحر المحيط (٤ / ٣٠٨).