وقال آخرون (١) : لو ردوا إلى المحنة إلى الأمر والنهي لصاروا إلى العمل الذي كانوا يعملون.
ثم أخبر أنهم قد خسروا أنفسهم بعملهم الذي عملوا في الدنيا ، وبعبادتهم غير الله : (وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) ، أي : بطل عنهم ما كانوا يفترون أن هؤلاء شفعاؤنا عند الله ، وقولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى) [الزمر : ٣] وغير ذلك من الافتراء ؛ ذلك كله قد بطل عنهم ، فبقوا حيارى ، وانقطع رجاؤهم وأملهم الذي طمعوا.
قوله : (قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) من رحمة الله.
وقيل : مما وعدوا لو أطاعوا.
وقيل (٢) : أهلكوها.
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبارَكَ اللهُ رَبُّ الْعالَمِينَ (٥٤) ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥) وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (٥٦) وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّياحَ بُشْراً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ حَتَّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَنْزَلْنا بِهِ الْماءَ فَأَخْرَجْنا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ كَذلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (٥٧) وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذلِكَ نُصَرِّفُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)(٥٨)
قوله ـ عزوجل ـ : (إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ).
وذكر ما بينهما في مواضع ، ولم يذكر في مواضع ، وذلك داخل في ذلك بقوله : (قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً ذلِكَ رَبُّ الْعالَمِينَ) [فصلت : ٩] ، الذي صنع ذلك (وَجَعَلَ فِيها رَواسِيَ مِنْ فَوْقِها وَبارَكَ فِيها وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) [فصلت : ١٠] ثم جمع اليومين الأولين مع هذا الذي ذكر فيه وقال : (فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَواءً لِلسَّائِلِينَ) [فصلت : ١٠] ، ليعلم أن ذا خلق في يومين ، ثم قال : (اسْتَوى إِلَى السَّماءِ) [فصلت : ١١] إلى قوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) [فصلت : ١٢] ، فتصير (٣) ستة الأيام التي أبهمها في غير ذلك ، والله أعلم.
__________________
(١) انظر تفسير البحر المحيط لأبي حيان (٤ / ٣٠٨) ، وتفسير الخازن والبغوي (٢ / ٥١٦).
(٢) ذكره البغوي في تفسير (٢ / ١٦٤).
(٣) في ب : فيصير.