(إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ).
قال بعضهم : إنه لا يفلح الظالمون بظلمهم ، لكن عندنا قوله : (إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) ما داموا في ظلمهم ، أو نقول : لا يفلح الظالمون إذا ختموا وماتوا على الظلم والكفر.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ (٢٢) ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣) انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ)(٢٤)
قوله ـ عزوجل ـ : (وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً).
المطيع والعاصي ، والكافر والمؤمن.
(ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ).
ذكر ـ هاهنا ـ شركاءهم ، أضاف ذلك إليهم ؛ لأنهم كانوا من جنسهم وجوهرهم ، يفنون كما يفنون هم ، وذكر في آية أخرى : (شُرَكائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) [القصص : ٦٢] أنهم شركائي.
وقوله ـ عزوجل ـ : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).
قال الحسن : الآية نزلت في المنافقين (١) ، وذلك أنهم كانوا يكذبون في الدنيا فيما بينهم ، فظنوا أن يتروج (٢) كذبهم في الآخرة كما كان يتروج في الدنيا ، وسماهم مشركين ؛ لأنهم كانوا [مشركين لأنهم](٣) أشركوا في السرّ ، فقالوا : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).
وقال غيره من أهل التأويل (٤) : الآية نزلت في أهل الشرك من العرب ؛ وذلك أنهم كانوا يشركون مع الله آلهة ، وكانوا ينكرون البعث بعد الموت ، وينكرون الرسالة ، فلما أن عاينوا ذلك أنكروا أن يكونوا أشركوا غيره في ألوهيته وربوبيته.
وقوله ـ تعالى ـ : (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قالُوا).
أي : لم يكن افتتانهم في الدنيا بافترائهم على الله الكذب وإشراك غيره معه ، وتكذيبهم آيات الله ، إلا أن قالوا في الآخرة : (وَاللهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ).
وذكر في [بعض](٥) القصة (٦) أن المشركين في الآخرة لما رأوا كيف يتجاوز الله عن
__________________
(١) ذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤) وعزاه لابن أبي حاتم وأبي الشيخ عن ابن عباس بنحوه.
(٢) في ب : تروج.
(٣) سقط في أ.
(٤) أخرجه بنحوه ابن جرير (٥ / ١٦٧) (١٣١٤٤) (١٣١٤٥) وذكره السيوطي في الدر (٣ / ١٤) وزاد نسبته لعبد بن حميد وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبي الشيخ.
(٥) سقط في ب.
(٦) أخرجه ابن جرير (٥ / ١٦٨) (١٣١٥٠) عن سعيد بن جبير بنحوه وذكره القرطبي في تفسيره (٦ / ٢٥٨ ـ ٢٥٩).